+ A
A -
كان يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني قبل أيام استثنائياً، امتزجت فيه مشاعر التضامن والدعم، واتحدت جميعها، بكل الألوان والأطياف واللغات، لتؤكد على تصاعد الدعم والتأييد العالمي للقضية الفلسطينية، وتعلنها عالية أنها حية لن تموت.. التصريحات الرسمية لمعظم دول العالم على كثرتها، وقفت خجولة أمام الدعم والتضامن الجماهيري الذي اجتاح العالم، بمختلف ملاته وممثليه، ممثلاً بمواقف نقابيين وأكاديميين وأدباء وشعراء وصحفيين وفنانين ونشطاء سياسيين وطلاب، ليرسم أبهى صورة من صور التضامن مع الفلسطينيين، يمكن أن تراها عين أو تسمعها أذن. واكتملت أبعاد الصورة، وأصبحت أكثر جلاءً وجمالاً، بحضور شباب وشابات فلسطين، من طلاب أو مقيمين في بلاد الشتات، في ذلك اليوم، وهم ينطلقون وينتشرون في كل زاوية من بلاد العالم، ممثلين لفلسطين بقلوب تحمل إيماناً بحقهم وبعيون تشع إصراراً على نيله، ذلك الحضور الذي عمل جنبا إلى جنب مع إحياء الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لفعاليات ذلك اليوم بوعي وتنظيم لافت. إنها رسالة إلى دولة الاحتلال، فلا ظالم يبقى ولا احتلال يدوم، والشعب الفلسطيني باقٍ وصامد، ولن يترك أرض آبائه وأجداده لعابرين.
اعتبر أنطونيوغوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، في تغريده له بمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، أن الوضع في الأرض الفلسطينية المحتلة لا يزال يمثل تحدياً للسلام والأمن الدوليين. اليوم إسرائيل لم تعد تشكل فقط قوة إحتلال عادية، فناهيك عن أنها قوة احتلال يأبى الرحيل، عجزت نصوص القانون عن توصيفه لطول فترة بقائه الزمنية، وتكشفت حقيقته بأنه بات يجمع ما بين احتلال عسكري جاء وحافظ على بقائه بالقوة، واستعماري صادر الأرض واستوطنها، واحلالي طرد سكانها واستحل أرضهم ومارس الفصل العنصري بحقهم، فانه احتلال لا ينفي حق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم فقط بل حقهم في الوجود أيضاً. بالإضافة إلى عشرات قرارات مجلس الأمن ومئات قرارت الجمعية العامة، التي تشير إلى واقع الاحتلال الإسرائيلي، باتت التقارير الدولية تؤكد إلى أنها أيضاً قوة احتلال تمارس الفصل العنصري.
يعكس التصويت في الجمعية العامة لصالح القضية الفلسطينية، مساندة غالبية دول العالم الحر للحق الفلسطيني، والذي تجسد بصدور الكثير من قراراتها لصالح القضية الفلسطينية بالأغلبية. ولعل من بين تلك القرارات، القرار رقم ( 40/‏32 ب) الصادر عام 1977، والذي ينص على إطلاق يوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ويتزامن مع تاريخ صدور قرار التقسيم 181 لعام 1947ر، للتذكير به. جاء قرار الجمعية العامة بالتضامن مع الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة بعد أن أقرت الجمعية من قبله، منذ مطلع العقد السابع من القرن الماضي، عدداً من القرارات، التي شكلت تحولاً في موقف الجمعية العامة تجاه القضية الفلسطينية.
إن تآمر الدول الاستعمارية الغربية على الشعب الفلسطيني بدأ عندما أقرت الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1922، بعد أن أصدرت بريطانيا وعد بلفور عام 1917، والذي تعهدت فيه بانشاء وطن لليهود في فلسطين، فجاء قرار الانتداب ليسمح لبريطانيا بوضع وعدها حيز التنفيذ. لقد اعتبرت روسيا إعلان بلفور حلاً مقبولاً للتخلص من عبء المهاجرين اليهود في القارة الأوروبية، وأيدته ألمانيا بشدة، ووافقت الولايات المتحدة عليه قبل الإعلان عنه. استكملت الدول الغربية الاستعمارية مهمتها بالتآمر على الشعب الفلسطيني وذلك باصدار قرار التقسيم 181 لعام 1947. بدأت فصول تلك المؤامرة عندما قامت تلك الدول الاستعمارية بتحويل البت بقضية انهاء بريطانيا انتدابها على فلسطين، في إطار الجمعية العامة، بدل الذهاب إلى المؤسسات القانونية والقضائية والتحكيم، المكلفة بالنظر بمثل هذه القضايا، والتي أنتجت في النهاية صدور قرار التقسيم، الذي عكس أهواء الدول الاستعمارية التي سيطرت على مجريات التصويت في ذلك الوقت.
اكتفت الدول الغربية، التي تسببت في نكبة الفلسطينيين بدعم حل القضية الفلسطينية شكلياً، عبر البيانات والقرارات التي لا تنفذ، دون أن تقدم على خطوة فعلية واحدة باتجاه المساهمة بالوصول إلى حل فعلي، ما يؤكد أنها لاتزال محكومة بعقليتها الاستعمارية.. لن يتوقف دعم شعوب العالم الحر للقضية الفلسطينية، ذلك الدعم والمساندة التي باتت تكبر يوماً بعد يوم، والتي ستصل يوماً حد الضغط واجبار العالم في النهاية على تحقيق العدالة للفلسطينيين، الذين أثبتوا عبر كل هذه السنوات العجاف أنهم شعب صامد، لا يعرف اليأس.د. سنية الحسيني
كاتبة فلسطينية}رأي اليوم
copy short url   نسخ
03/12/2021
146