+ A
A -
جورج شاهين كاتب لبناني
عندما يعجز الداخل ويتردّد الخارج في البحث عن المخرج الآمن للعقدة الحكومية «المتحورة»، تنحو القراءات إلى البحث عن نوع الفيروسات التي أصابتها، وتحديد الأكثر تأثيراً وخطورة من تسبب بتفشيها. ففي اعتقاد المراقبين أنه طالما القانون والدستور قد وضعا على الرف، فإن البحث عن العلاج لهذا «المتحورالحكومي» بات معقّداً، لتبقى البلاد غارقة في بحر من الفيروسات المتعددة، فكيف السبيل إلى شرح هذه النظرية؟
لم يحصل من قبل أن تشابكت الأزمات وتناسلت إلى الحدّ الذي لم يتمكن أحد من اللحاق بها، إلى درجة عدم القدرة على استيعابها وإحصائها. فمع صباح كل يوم ومن أسبوع إلى أسبوع، تلاحق ظهور العِقَد واحدة بعد أخرى بطريقة متناسلة توالدت من بعضها بعضاً. فقبل أن يستوعب اللبنانيون تداعيات الأزمة النقدية والمالية التي نشأت على وقع التطمينات من قدرة القطاع المصرفي على الصمود واستيعاب الأزمة وتجاوزها، وصلت طلائع جائحة كورونا إلى لبنان بعدما غزت العالم. وفي الوقت الذي تسببت فيه بإغلاق غير مسبوق بين الدول والقارات، جاءت نكبة مرفأ بيروت في 4 أغسطس لتزيد من آلام اللبنانيين ونكباتهم.
ولما كان العالم منشغلاً بنتائج النكبة الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، بدأ عهد الشلل الحكومي، فأمضى اللبنانيون 14 شهراً بحثاً عن حكومة يمكن أن تفرمل الانهيارات وتحيي عمل المؤسسات الدستورية، فيكتمل عقدها وتنتظم العلاقات في ما بينها، على أمل أن تلجم ما يمكن لجمه. وعلى الرغم مما وفرته «المبادرة الفرنسية»، وما نالته من عناية عربية وغربية ودولية من غطاء لتشكيل الحكومة، فقد ولدت في نهاية المطاف بطريقة ملتبسة خالية من كل ما حَبل به «رحم المبادرة الفرنسية» وما قالت به الملاحظات الأممية والدولية. وعلى خلاف ما حملته من اسم «معاً للإنقاذ»، فقد تسببت الأزمات المتتالية بسقوطها بـ «الضربة القاضية»، ولم تكن بعد قد دخلت الشهر الثاني على ولادتها. فاختل التوازن مجددًا ضمن السلطات الدستورية، وتعقّدت الأمور نتيجة الخلاف على الصلاحيات والأدوار. والدليل برز عند إصرار وزراء «الثنائي الشيعي» على تدخّل السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء، في مجريات عمل السلطة القضائية، من أجل الإطاحة بالمحقق العدلي طارق البيطار. ولم تقف الأمور عند هذا الحدّ، فقد ولّد الاحتقان أحداث الطيونة وعين الرمانة، التي أحيت في عقول اللبنانيين المخاوف من أيام سود، وشهد القضاء عاصفة من دعاوى الردّ وكف اليد والإبعاد لم يشهدها من قبل.
كان ذلك قبل أن تأتي تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي بالأزمة الديبلوماسية بين لبنان والمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، لتتوّج مجموعة الأزمات التي كانت تتفاعل بمقدار كبير وتنحو بالوضع الحكومي إلى الأسوأ.
على هذه الخلفيات تحدث المراقبون عن «المتحور الحكومي» الناشئ عن مجموعة الأزمات هذه، فهي التي التقت على تجميد وتعطيل الحكومة، والتي لم يعد يعرف أهل الحكم والحكومة، ولا سيما رئيسها، من أين يمكن البدء بتفكيكها. ففي ظل عدم التزام الوزراء الشيعة بالتفاهم الذي أدّى إلى وضع أزمة قاضي التحقيق العدلي في حضن وزارة العدل والسلطة القضائية، فإنّ فك أسر الحكومة بات محكوماً بالنسبة إلى رئيسها بأزمة وزير الإعلام، إلى أن يقدّم استقالته طوعاً أو إقالته، وباتت الحلول لمختلف العِقد رهن الترابط الذي قام بين بعضها، إلى درجة معقّدة لا يمكن تفكيك عراها.
ولا تكتفي المراجع الديبلوماسية والسياسية المطلعة على أدق التفاصيل بتأكيد صعوبة المرحلة وخطورتها وما يمكن أن تقود إليه، فكل السيناريوهات مظلمة وسلبية وقد تكون أشدّ صعوبة مما شهدناه حتى اليوم، فالبلد المريض يعاني من «اشتراكات» غير مسبوقة نتيجة تفاعل مجموعة «الفيروسات» المختلفة الأشكال والأنواع التي تغلغلت في الجسم النحيل، إلى درجة بات فيها البحث عن أصلها وسببها الأساسي مهمة صعبة لا يمكن أن تنتهي إلى أي نتيجة.
وبناءً على ما تقدّم، لا يمكن للمراقبين سوى إعطاء التوصيف الطبي للمرض اللبناني من أجواء الوباء الدولي، فمنحت العقدة الحكومية صفة «الجائحة» التي تعدّدت مصادرها وأنواعها المتحورة والتي تغلغلت في الجسم اللبناني، فأحدثت اشتراكات عجز الطب الداخلي عن الفصل في ما بينها ومداواتها والتخفيف من أوجاعها، كما الوصفات الطبية الدولية المجمّدة صلاحياتها، والتي علينا انتظار نتائجها لبلسمة الأوجاع في انتظار عبور مواعيدها الطبيعية الموزعة بين عواصم الخليج والقاهرة والفاتيكان وبغداد قبل بيروت، وهي أمور ستبقي لبنان معلقاً على خشبة الأزمات، تمعن فيه الفيروسات المختلفة فتكاً إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.{ الجمهورية اللبنانية
copy short url   نسخ
26/11/2021
124