+ A
A -
أنيس منصور في رأي الدكتور مصطفى النشار أستاذ فلسفة وفيلسوف ظل متخفيا في زي كاتب صحفي وهو لذلك يدعونا إلى إعادة قراءة أعماله لكي نكتشف أن فيها الكثير من «ومضات الفكر المستنير الذي يدعو القارئ إلى أن يستعمل عقله وأن يفكر في معنى الحياة والموت والسعادة والحب والعداوة والأخلاق والفضيلة والخلق والبعث، أي أنه يدعونا إلى ان نفكر ونستعمل عقولنا ونحاول الإجابة عن أسئلة الوجود الكبرى».
وأنيس منصور دون شك إنسان ناجح، عاش حياة مليئة بالتجارب فيها الصعود والهبوط، وفيها النجاح والفشل، ولكنه أراد دائماً أن يكون النجاح أن الإنسان عليه أن يبذل جهدا أكثر من اللازم ويستمر في ذلك دون توقف وأن يصنع في حياته أشياء لها قيمة ولا يتوقف عن ذلك أبداً.
والتوفيق في الحياة يأتي بأن يبدأ الإنسان بنفسه قبل أن يطلب الكمال من غيره، ففي الزواج مثلا يتحقق النجاح ليس فقط باختيار الشخص المناسب، بل بأن تكون أنت نفسك الشخص المناسب. ومشكلة الناس في هذا الزمان أنهم يريدون أن يبلغوا الهدف دون أن تتعب أقدامهم من الجري للوصول إليه، وليس أصعب من ضبط النفس في وقت النجاح، وليس العقل وحده هو مصدر النجاح بل اللسان أيضا شرط لابد منه، وإذن فهناك مصدران للنجاح الرأس واللسان. مثل هذا التحليل نموذج لفكر أنيس منصور، فهو يتميز بالعمق في التأمل والتحليل ويتفوق على الفلاسفة ببساطة وسهولة ألفاظه وقدرته على طرح فكرته بحيث يستوعبها القارئ فورا، وله قدرة على النفاذ إلى عقل وقلب القارئ.
عندما تولى أنيس منصور منصب رئيس التحرير لمجلة (الجيل) كتب مصطفى أمين مقالا قال فيه: «عزيزي أنيس منصور، إنك تجلس الآن على أكبر خازوق في مصر وبعد سنوات تقلد خلالها منصب رئيس التحرير لعدة صحف ومجلات كتب أنيس منصور أن منصب رئيس التحرير «مقلب كبير» وأحمد الله على أنني تفرغت للكتابة والقراءة فقط، أغلق على نفسي باب مكتبي في البيت فلا يقتحم أحد علي خلوتي، لكن رئيس التحرير يجلس على قارعة الطريق العام ويهدر طاقته في أشياء كثيرة تستنزف طاقته وله تعبير طريف فقد قال لي يوما إنني وأنا رئيس تحرير كنت أدخل المجلة وأنا جنيه صحيح وبعد ساعات طويلة جدا أخرج من المجلة وأنا جنيه فكه أي أنه يفقد إحساسه بالحياة وبالرضا عن النفس.
والغريب أن خصومه اتهموه بالإلحاد مع أنه أدى فريضة الحج وله عن رحلة الحج كتاب بعنوان «لبيك اللهم لبيك» مليء بالمشاعر الروحانية، وبالأفكار الإيمانية وقام باداء العمرة عشرات المرات وله عدة كتب في الدين مثل كتابه «طلع البدر علينا» ومعروف أنه حفظ القرآن منذ صغره وتعمق في دراسة الإسلام كما تعمق في دراسة الأديان الأخرى والعقائد غير السماوية وشرحها في كتابه «ديانات أخرى».
وقال إن دراسته للفلسفة جعلته يدرس 28 عقيدة وجعلته يقوم برحلة عقلية طويلة حتى وصل إلى الإيمان واليقين، وكان في هذه الفترة مثل رجل دخل في متحف وتنقل بين لوحات وتماثيل الأموات وأشباحهم وأرواحهم فتوهم أنه انتقل إلى العالم الآخر وفجأة قامت عاصفة فأطاحت بأحد النوافذ ودخل الهواء والنور وملأت أشعة الشمس المكان وبذلك، انفتحت الدنيا أمامه فانطلقت سعيدا بحريتي وباليقظة الروحية التي وصلت إليها.
ومن حظ أنيس منصور أن اتيحت له فرصة دخول الكعبة عدة مرات وكتب عن هذه اللحظات «غمرتني الراحة وأحسست أن شراييني من النور الهادئ بلا حرارة وأنني في حالة بين الحياة والموت فلا أنا أشعر بجسمي ولا أنا روح خالصة وعندما خرجت من داخل الكعبة أخذت أشعر بجسمي قطعة قطعة حتى أصبحت ثقيلا على وجداني وعلى عقلي». ورحلة أنيس منصور الفكرية طويلة ومليئة بالتأملات والمشاعر والخواطر الذكية.

بقلم : رجب البنا
copy short url   نسخ
30/09/2016
2923