+ A
A -

في حلقة من حلقات التمكين للتكامل الاقتصادي الخليجي الذي ينشده المواطنون الخليجيون قاطبة، اختتمت في العاصمة السعودية الرياض خلال الأسبوع الماضي النسخة الثانية من المنتدى الخليجي لرواد الأعمال، هذا المنتدى الذي يعد ترجمة واقعية لتوصيات الاجتماع السابع والخمسين للجنة التعاون التجاري بمجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي عقد في العاصمة العمانية مسقط في الأول من شهر مايو من عام 2019.

وكما هو واضح من عنوان واسم المنتدى، فإنه يستهدف رواد الأعمال الخليجيين والجهات الداعمة لريادة الأعمال، وحاضنات ومسرِّعات الأعمال، والجهات التمويلية في دول المجلس، بهدف تمكين رواد الأعمال وأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة من التوسع خليجيا، وتحفيزهم على النجاح والابتكار، بعدما أكدت التجارب أن لديهم من الطموحات والمثابرة ما يمكنهم من أداء دور كبير ومشهود في التنمية المستدامة.

ويؤكد الاستعراض السريع لما أنجزته الشركات المتوسطة والصغيرة في دول المجلس حق هذا القطاع في اهتمامات وأولويات الحكومات الخليجية، كي تساعده على المزيد من نمو خبراته، وملاحقة التطور المتسارع للعلم والتكنولوجيا، وتوفير الدعم له من أجل مواصلة تقدمه، ليصبح قادرا على القيام بالمزيد من الأدوار والوظائف المتعددة والمتنوعة، وبما يضيف إلى الإنتاجية ويرتفع بجودتها كما وكيفا، فالواقع الذي نراه ضمن المشهد الاقتصادي العالمي الآن يبرهن على أن تفوق المجتمعات المتقدمة إنما هو ثمرة من ثمرات الاهتمام والتشجيع والدعم لقطاع رواد الأعمال، وهذا بالضبط ما أكده الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي معالي الدكتور نايف بن فلاح الحجرف خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للمنتدى بقوله إن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تشكل 80 % من الاقتصاديات التي حققت المعجزات بالعالم، كونها أحد المحاور الرئيسية للنمو القادم.

وكان من الطبيعي أن تكون مشاركة قطر بوفد ترأسه سعادة السيد سلطان بن راشد الخاطر وكيل وزارة الصناعة والتجارة وضم كوكبة متميزة من رواد الأعمال القطريين المتميزين، مثل الشيخ منصور بن خليفة آل ثاني، محمد راشد المطوي، حمد مبارك الهاجري، غانم شاهين السليطي، محمد ناصر الهاجري، محمد عبد الرحمن فخرو محط اهتمام من بقية الوفود، كون قطر ذات تجربة ثرية في دعم القطاع، إذ سبق أن احتلت المرتبة الأولى في بيئة ريادة الأعمال حول العالم، وذلك حسب تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال لعام 2018، الذي شارك في إعداده 54 دولة، حيث أظهر أن مؤشر البيئة المحلية لريادة الأعمال في قطر سجل حوالي 6.7 نقطة من إجمالي 10 نقاط، لتحتل دولة قطر المرتبة الأولى من بين جميع الدول المشاركة، ويعكس هذا التقييم حجم الجهود التي بذلتها الدولة عبر مؤسساتها وبنوكها المختلفة لدعم ريادة الأعمال، مثل التمويل المباشر، وبرنامج إثمار الذي يمنح رواد الأعمال الدعم الاستثماري، والخدمات الاستشارية والتوجيهية، وبرنامج التفرغ من الوظائف الحكومية، فمثل هذه التسهيلات من شأنها التشجيع على جذب الاستثمارات، وتبادل الخبرات، وجذب أصحاب رؤوس الأموال المغامرة لاقتناص الفرص الاستثمارية التي توفرها الدولة، وتزكي المنافسة بين رواد الأعمال على الجودة والتميز والنجاح، وكلها تصب في صالح الاقتصاد الوطني.

من مزايا مشاركة وفد قطري متميز في المنتدى أنه سلط الأضواء على السياسات الاقتصادية والتشريعات التي أقرتها الدولة في سبيل تنظيم قطاع ريادة الأعمال المحلي ودعمه، باعتباره ركيزة أساسية من ركائز التنويع الاقتصادي، وتنشيط حركة الاستثمار، وتعزيز مساهمة الابتكار بما يتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030.

يزيد من التفاؤل والأمل ما أبداه أصحاب المعالي والسعادة وزراء التجارة في الجلسة الوزارية من الجدية والحزم في تحفيز المنشآت الصغيرة والمتوسطة على التعمق في أنشطتهم التجارية، والإتيان بفكر جديد بعيد عن الأوضاع التقليدية، واكتساب الخبرات التكنولوجية التي تمثل انطلاقا لتطوير ما جرت عليه القطاعات المماثلة في الدول المتقدمة، حتى تتخطى فوارق الزمن والمسافة في الواقع الاقتصادي والوصول إلى الفرص الاستثمارية المنشودة، بعدما تأكد وجود الكثير من التجارب الريادية الخليجية الناجحة اطلع عليها المشاركون في المنتدى أثناء جولاتهم الميدانية وزياراتهم لبعضها في المملكة العربية السعودية، وفي دولة قطر وبقية دول المجلس من خلال شرحها أثناء تبادل الخبرات بين القائمين على تطوير القطاع ومناقشة صعوباته.

لن أتطرق لسرد الفعاليات تجنبا للتكرار الممل فهي موجودة على صفحات وسائل الإعلام، لكن المهم أن المنتدى سيكون في كل دوراته بمثابة عصف ذهني لبحث آليات التطور ومواجهة التحديات في ظل ما يشهده العالم من أزمات طاحنة كالحروب والتضخم وتغير المناخ.

copy short url   نسخ
24/10/2022
220