رام الله - الأناضول - على مدى سنوات، برز اسم «نزار بنات» (44 عاما)، كأحد أبرز معارضي السلطة الفلسطينية من فئة النشطاء السياسيين المستقلين، حيث دأب على توجيه انتقادات لاذعة لأدائها عبر مقاطع فيديو، ومن خلال حسابه على موقع فيس بوك؛ وهو ما عرضه للاعتقال عدة مرات.
لكنّ نبأ وفاته، بعد ساعات قليلة على اعتقاله من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية، صباح الخميس، شكّل صدمة للشارع الفلسطيني، وأثار سخطا واسعا.
وأعلن محافظ الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة، جبرين البكري، عن وفاة بنات، في بيان مقتضب، قال فيه إن قوة أمنية فلسطينية اعتقلته، الخميس، بناء على مذكرة توقيف من النيابة العامة، «وخلال ذلك تدهورت حالته الصحية وتم تحويله إلى مستشفى الخليل الحكومي، حيث أعلن عن وفاته».
لكنّ عائلته، اتهمت «الأمن الفلسطيني» بتعذيبه و«اغتياله».
وقال عمار بنات، المتحدث باسم العائلة، لوكالة الأناضول «تعرض نزار لعملية اعتقال عند الساعة الثالثة والنصف فجرا، من قبل قوة أمنية، بعد تفجير مدخله، وانهالت عليه بالضرب بواسطة هراوات حديدية وخشبية، ورشته بغاز الفلفل، واعتقلته بعد تجريده من ملابسه، وبصورة فجة، واقتيد تحت الضرب، بينما كانت تسيل الدماء منه». ولاحقا، قالت منظمات حقوقية فلسطينية، إن وفاة «بنات»، «غير طبيعية».
جاء ذلك، في بيان مشترك «للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان» (رسمية لكن يضمن نظامها الأساسي استقلاليتها)، ومؤسسة «الحق»، ومركز «القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان» (غير حكوميتين)، وطبيب التشريح المتقاعد الدكتور سليم أبو زعرور.
وقال البيان «أكدت المشاهدات بعد انتهاء تشريح الجثمان وجود إصابات تتمثل في كدمات وسحجات في مناطق عديدة من الجسم، بما في ذلك الرأس والعنق والكتفين والصدر والظهر والأطراف العلوية والسفلية، مع وجود آثار تربيط على المعصمين، وكسور في الأضلاع».
وأضاف أن «تقرير الطبيب الشرعي وطبيب العائلة أكدا أن الوفاة غير طبيعية».
واستدرك الدويك قائلا «لكن تحديد سبب الوفاة الرئيس من الناحية الإكلينيكية يحتاج إلى بعض الوقت لحين ظهور النتائج المخبرية لفحص الأنسجة والسوائل».
وأصدرت الكثير من الفصائل الفلسطينية، ومن بينها «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، و«الجبهة الشعبية»، و«الجبهة الديمقراطية»، بيانات استنكار شديدة اللهجة، للحادث.
ويحظى «بنات» بشهرة واسعة في الشارع الفلسطيني، لجرأته وانتقاده الحاد لأعضاء القيادة الفلسطينية، بمن فيهم الرئيس محمود عباس، ورئيس الوزراء محمد اشتية.
وتقول عائلته، إنه اعتقل أكثر من 8 مرات من قبل الأمن الفلسطيني.
وأكد بنات في فيديوهات سابقة له، تعرضه للتعذيب من قبل أجهزة الأمن خلال اعتقاله.
وبنات، لاجئ فلسطيني، هُجّرت عائلته من بلدة عجور، عام 1948، ويسكن بلدة دورا بمحافظة الخليل، وهو متزوج وله خمسة من الأبناء.
ولا يُعرف عن بنات، أي انتماء لأي فصيل سياسي فلسطيني.
وعبّر أكثر من مرة، عن دعمه لفصائل المقاومة في غزة، ورفضه لنهج السلطة الفلسطينية، وللتنسيق الأمني مع الكيان الإسرائيلي.
وكان المعارض الفلسطيني يعمل في مجال «الديكور» والنجارة.
وشكّل بنات قائمة «الحرية والكرامة» لخوض انتخابات المجلس التشريعي، التي كانت مقررة يوم 22 مايو الماضي، قبل صدور مرسوم رئاسي (في 30 إبريل الماضي) بإلغائها.
وأثار بنات جدلا في الشارع الفلسطيني، إثر مطالبته الاتحاد الأوروبي بوقف الدعم المالي عن السلطة، عقب قرار إلغاء الانتخابات، وهو ما عرضه لهجوم حاد من قبل السلطة الفلسطينية والمؤيدين لها.
وآنذاك، قال بنات في مقطع مصور على فيسبوك، إن مسلحين «بمرافقة الأجهزة الأمنية»، أطلقوا (يوم 2 مايو الماضي) النار بكثافة على منزله «وروّعوا ساكنيه»،
وفي آخر المقاطع التي نشرها، قبل وفاته، شنّ بنات في يوم 21 يونيو الجاري، هجوما لاذعا على السلطة الفلسطينية، ردا على صفقة «تبادل لقاحات» أبرمتها مع الكيان الإسرائيلي، قبل أن تتراجع الأولى عنها.
واتهم في رسالة مصورة على صفحته على موقع فيسبوك، تحت عنوان من «يقف وراء صفقة اللقاحات» السلطة الفلسطينية بـ«المتاجرة بأرواح الشعب الفلسطيني».
والجمعة الماضي، قالت الحكومة الإسرائيلية، في بيان، إنها اتفقت مع السلطة الفلسطينية على تحويل نحو مليون جرعة من اللقاحات ستنتهي فعاليتها قريبا، على أن تحصل في المقابل على ذات الكمية من الشركة المصنعة، نهاية العام الجاري.
ولاحقا، أعلنت السلطة الفلسطينية، عن إلغاء الصفقة.
وقد شارك الآلاف أمس الجمعة في الضفة الغربية المحتلة في تشييع الناشط الحقوقي الفلسطيني نزار بنات المعروف بانتقاده للسلطة الفلسطينية والذي توفي الخميس خلال اعتقاله من قبل قوات الأمن الفلسطينية.
وطالبت مؤسّسات حقوقية فلسطينية بالتحقيق في ظروف وفاة بنات، فيما ضاقت منصة «فيسبوك» بمنشورات تنتقد السلطة الفلسطينية بسبب وفاته.
وقدم المشيعون من مختلف المدن الفلسطينية ومن مدن الداخل فيما حمل بعض المشاركين رايات حركة حماس، وفق مراسل فرانس برس.
ودفن بنات في مقبرة الشهداء في مدينة الخليل في الضفة الغربية.
وكان محافظ مدينة الخليل أعلن فجر الخميس أن بنات توفي بعد تدهور صحته عقب اعتقاله من منزل قريب له في بلدة دورا المحاذية.
غير أن عائلته قالت إنه تعرض للضرب المبرح من قبل أفراد الأمن الذين قدموا لاعتقاله وبلغ عددهم ما بين 25 إلى 30 رجل أمن مضيفة «تم اغتياله على أيديهم».
وقال طبيب معتمد من مؤسسات حقوقية اطّلع على تشريح جثة بنات أنّ وفاته لم تكن طبيعية وانه تعرض للضرب.
وقال الطبيب سمير أبو زعرور في مؤتمر صحفي في مقر الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان «من خلال المشاهدة والكشف الظاهري، شاهدنا إصابات عديدة وكدمات في مناطق عديدة من الجسم، في الرأس والعنق والصدر والكتفين والأطراف العلوية والسفلية».
وكان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية أعلن تشكيل لجنة للتحقيق في ظروف وفاة بنات.
وأكدت منظمة التحرير الفلسطينية في بيان «أن التحقيق بشأن وفاة السيد نزار بنات أثناء اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية سيكون شفافا ومحايدا وسيتم الإعلان عن نتائج التحقيق قي أقرب فرصة».
وقال احمد التميمي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دائرة حقوق الإنسان والمجتمع المدني في المنظمة «إن الحدث جلل ويستدعي الشفافية والمصداقية من قبل الجهات المعنية، وسيتم إعلان النتائج التي تتوصل لها لجنة التحقيق كما هي».
على الجانب الآخر قال المفوض السياسي العام، المتحدث باسم الأجهزة الأمنية اللواء طلال دويكات، إنه لا مانع من مشاركة مؤسسات حقوقية في لجنة التحقيق، مؤكدًا أن الحكومة جاهزة لاتخاذ أي إجراءات تترتب على النتائج التي ستتوصل لها اللجنة بهذا الخصوص.
وعقّب الحقوقي عمار دويك على صفحته في «فيسبوك» أن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ومؤسسة الحق تحققان بشكل مستقل ومشترك في وفاة الناشط السياسي نزار بنات، وسنصدر موقفنا وتقريرنا بشكل مستقل عن أي لجنة حكومة شكلت أو قد تشكل.
وأعلن محافظ الخليل جبرين البكري عن وفاة بنات بعد اعتقاله من قبل أجهزة الأمن. وقال المحافظ في بيان صحفي إنه وعلى إثر مذكرة إحضار من النيابة العامة لاعتقال المواطن نزار خليل محمد بنات، قامت فجر اليوم قوة من الأجهزة الامنية باعتقاله، وخلال ذلك تدهورت حالته الصحية وفورًا تم تحويله إلى مشفى الخليل الحكومي، وتم معاينته من قبل الأطباء حيث تبين أنه متوفى. وعلى الفور تم إبلاغ النيابة العامة التي حضرت وباشرت إجراءاتها وفق الاصول.
وقالت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان «ديوان المظالم» إنها تنظر بخطورة بالغة لحادثة وفاة الناشط نزار بنات المرشح السابق عن قائمة الحرية والكرامة لانتخابات المجلس التشريعي (44 عامًا) والذي أعلن خبر وفاته بعد وقت قصير من اعتقاله من قبل قوة أمنية كبيرة عند الساعة الثالثة فجر اليوم الموافق 24 يونيو الجاري في المنطقة الجنوبية من الخليل.
وأضافت أنه وحسب إفادات شهود عيان وأفراد من العائلة كانوا مع المرحوم، فقد تم الاعتداء عليه بالضرب والرش بالغاز أثناء اعتقاله، وفقًا لبيان الهيئة.
وبينت أنها باشرت الهيئة بالتحقيق وجمع المعلومات حول حادثة الوفاة وستشارك في تشريح الجثمان من خلال طبيب شرعي منتدب من قبل الهيئة، وستعلن نتائج التحقيق التي تتوصل إليها فورًا.
وتتهم عائلة بنات الأجهزة الأمنية الفلسطينية باغتيال ابنها نزار، إذ قال ابن عمه عمار، إن قوة من الأجهزة الأمنية فجرت باب البيت الذي تواجد فيه نزار، واقتحمته دون احترام لحرمته، وأشار إلى أن عناصر الأمن انهالوا على رأس نزار بالضرب بالهراوات فور استيقاظه، كما جرى رشّ غاز الفلفل على وجهه، ونقلوه إلى سيار الاعتقال، بينما كان ينزف.
وأدانت حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهتان الشعبية والديمقراطية في بيانات منفصلة، ما تعرّض له بنات.
وقالت حنان عشراوي، القيادي السابقة في منظمة التحرير عبر تويتر، إن الاعتقال العنيف الذي أدى لوفاة نزار بنات من قبل الأمن الفلسطيني، جريمة خطيرة وتطور خطير، لقد استمر تدهور الأوضاع دون رادع لبعض الوقت ما أدى إلى هذا التصعيد، المساءلة أمر حتمي.
وقال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين إنهم كانوا على علم بالتهديدات وحالات العنف السابقة ضد نزار بنات وأسرته، ويجب التحقيق في حالة الوفاة هذه بشكل فوري ومستقل وشفاف ومحاسبة المسؤولين.
وقال القنصل البريطاني العام، فيليب هول، إن «مقتل الناشط والمدافع عن حقوق الإنسان ‎نزار بنات أثناء وجوده في الحجز الفلسطيني مقلق للغاية، هناك حاجة إلى تحقيق سريع وشفاف».
وأعرب الاتحاد الأوروبي عن الصدمة والحزب لوفاة الناشط والمرشح للتشريعي السابق، نزار بنات عقب اعتقاله، وقال إنه يجب إجراء تحقيق كامل ومستقل وشفاف فورًا.
كما عبّر مكتب الممثلية الكندية لدى السلطة الفلسطينية عن الصدمة والحزن العميق لوفاة نزار بنات، وقال إن كندا تؤيد بقوة حرية التعبير والمساحة الآمنة للشخصيات السياسية وأعضاء المجتمع المدني، الذين يتوجب حمايتهم.