+ A
A -

إذا ما كان من رسالة يحملها الاتفاق العسكري الأميركي الإسرائيلي المجدد، فهي أن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة أكثر خطورة وشراسة من حيث التدهور الأمني وعدم الاستقرار السياسي، وذلك على عكس ما يوحى به مسار الأحداث الراهنة من أن حدة التهديدات الأمنية في طريقها للتراجع خلال العشر سنوات المقبلة.

لقد أسرف الخطاب الأميركي رسميا وإعلاميا طوال العامين الماضيين على الأقل في التأكيد أن نهاية «داعش» حتمية بل وأصبحت وشيكة، وأن المخاوف الأمنية لإسرائيل من الاتفاق النووي الإيراني مبالغ فيها، وأن الإدارة الأميركية الديمقراطية تضمن إلى حد كبير ألا يهدد الاتفاق أمن إسرائيل.
وعلى الجانب الآخر انخرطت بشكل أكثر فعالية في حل الأزمة السورية ودعمت الموقف التركي الجديد في الأزمة، وشاركت عسكريا في ضرب «داعش» في سرت. وتدخلت للمشاركة في حل الأزمة اليمنية بعد فشل لقاءات الفرقاء اليمنيين في الكويت.
والمعني من كل ذلك أن منحنى المخاطر والتهديدات الأمنية في الشرق الأوسط من المفترض انه يتجه إلى الهبوط وليس إلى الصعود وفقا لما تقوم به السياسة الأميركية من تحركات في كل هذه الملفات.
ولكن الاتفاق العسكري بين واشنطن وتل أبيب قال شيئا مختلفا عن ذلك تماما واضعا نهاية لمرحلة ساد فيها تفاؤل اتضح انه زائف ومعلنا بداية مرحلة جديدة قوامها استمرار الصراعات وبشكل أكثر خطورة واتساعا من الآن وحتى عام 2028 على الأقل.
لقد وصف الاتفاق بأنه تاريخي أو غير مسبوق أو قياسي، ربما لأنه لم يسبق للولايات المتحدة أن وقعت اتفاق مساعدات عسكرية بقيمة 38 مليار دولار على مدى عشر سنوات مع إسرائيل أو غيرها.
ولكن المضمون السياسي للاتفاق هو الأهم لأنه يتعلق بالدور الإسرائيلي المحتمل بديلا للدور الأميركي بالنظر إلى اتجاه الولايات المتحدة للانسحاب من الشرق الأوسط، ووجود تقديرات استراتيجية لمستقبل المنطقة لا تعرفها سوى واشنطن وتل أبيب تركز على استمرار الصراعات والتهديدات الأمنية مما يقتضي رفع سقف المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل.
وبداية فإن الاتفاق ليس جديدا بل هو تجديد لاتفاق قديم ومعروف منذ سنوات. كانت آخر صوره في عام 2007 وتضمن مساعدات أميركية لإسرائيل بين عامي 2009 و2018 زادت من 24 مليار دولار إلى 30 مليار دولار على مدى عشر سنوات.. وانتهت المفاوضات الجديدة بين الجانبين إلى نتيجة مرضية لنتانياهو مع أنها لم تحقق طلبه بالكامل.
المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي طرح مبررات لهذا السخاء الأميركي في المساعدات هذه المرة بأنها لمواجهة التهديد النووي الإيراني (أي أن أوباما أوفى بوعده لإسرائيل بأنه سيمنحها الضمانات العسكرية الكافية لطمأنتها من الاتفاق النووي)، وتهديدات حزب الله (يقال إن لديه 350 ألف صاروخ قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي)، وتداعيات التفتت القومي الجارية في الدول المحيطة، والإرهاب باسم الإسلام السياسي، ولتعزيز قدرات إسرائيل التكنولوجية بما يجعلها دولة رائدة في هذا المجال، ولتحقيق متطلبات الأمن القومى الأميركي في الشرق الأوسط (لم يوضح ما هي التهديدات الجديدة للأمن القومى الأميركي، ولم يكن واضحا سوى إعادة تنشيط الصناعة العسكرية الأميركية).
وسواء كانت المبررات الإسرائيلية مبالغا فيها أو اعتبرها البعض حججا لتبرير عملية ابتزاز محكمة قامت بها حكومة نيتانياهو لأوباما، إلا أن ضخامة قيمة الاتفاق المجدد وتضمينه الحديث عن إمكانية زيادة المساعدات في حالة تعرض إسرائيل لخطر مفاجئ أو دخولها في حرب، يعنى أن هناك أجندة خفية تعلمها واشنطن وتل أبيب وحدهما جوهرها أن مسار التطورات للأحداث على مدى السنوات الخمس الماضية يقول من وجهة نظرهما إن الشرق الأوسط مقبل على مشهد جديد أشد مأساوية مما هو عليه الآن، وتطوير الاتفاق بالنحو الجديد يتيح لكل منهما حسن التخطيط والتدبير في مواجهة هذا المشهد.
بقلم : د.عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
24/09/2016
2845