+ A
A -
القاهرة - أ. ف. ب - طبعت الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام بقيادة نابليون بونابرت تاريخ المنطقة، ومهدّت لحقبة الاستعمار الحديثة وتركت إرثا مثيرا للجدل على الرغم من إسهامات أكيدة لعلماء شاركوا فيها.
ويقول الكاتب المصري محمد سلماوي إن الحملة الفرنسية على مصر كانت مزيجا من «النار والتنوير»، فهي من ناحية حملة عسكرية إمبريالية، ومن ناحية أخرى أتت بالعلوم والتقدم.
ومع اقتراب الذكرى المائتين لوفاة نابليون بونابرت في الخامس من مايو، يشرح سلماوي لفرانس برس أن «الحملة كانت عسكرية بالتأكيد، وكانت هناك مقاومة مصرية ضد القوات الفرنسية، ولكنها كانت كذلك بداية عصر من التقدم الفكري والتنوير».
ووثّق علماء الحملة في عمل موسوعي «وصف مصر» كلّ ما يتعلق بالمجتمع والتاريخ الطبيعي والإنساني للبلاد. وأدى اكتشاف جنود فرنسيين لحجر رشيد في ممفيس في مصر، الذي حفر عليه مرسوم ملكي بثلاث لغات، اللغة المصرية القديمة أو الهيروغليفية، والهيراطيقية، واليونانية القديمة، إلى فك شيفرة اللغة الهيروغليفية ونشأة علم المصريات.
وفي فترة لاحقة، كان مؤسس الدولة الملكية الحديثة في مصر محمد علي، بمثابة «منفذ وصية» بونابرت في مصر، لأنه استخدم العلوم التي أتت بها الحملة لإقامة دولة حديثة، على حد تعبير الصحفي الفرنسي ذي الأصول المصرية روبير سوليه.
ويقول سوليه: «في عصر الملكية (1804-1952)، كان التركيز منصبا على ما أتت به الحملة من إضافات علمية وسياسية»، باعتبارها نتاج فلسفة التنوير التي أطلقتها الثورة الفرنسية.
عدوان امبريالي
ولكن منذ الثورة الناصرية في العام 1952، هيمنت النزعة القومية وبات ينظر إلى الحملة الفرنسية على أنها «مرحلة ضمن مراحل أخرى من تاريخ مصر»، وفق سوليه.
ويعتقد سوليه أن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر لم يكن يرى في هذه الحملة «إلا أنها أيقظت الشعور الوطني» من خلال المقاومة التي تشكلت ضدها.
ويضيف الكاتب أن حملة بونابرت «كانت أول عدوان إمبريالي في العصر الحديث ضد الشرق المسلم».
وبعيد الإنزال الفرنسي في يوليو 1789 بالقرب من الإسكندرية، وضع بونابرت لافتات على جدران المدينة كتب عليها «أيها المصريون، سيقولون لكم إنني أتيت لتدمير دينكم.. هذه كذبة. لا تصدقوهم».
وأكد الجنرال بونابرت الذي لم يكن اصبح أمبراطورا بعد، على اللافتات نفسها أنه «يحترم النبي والقرآن الكريم». ولكنه أضاف «بئس من سيقاتلون ضدنا، هؤلاء لا خيار أمامهم.. سيموتون».
وكانت الغلبة للقمع على التسامح الديني بعد ذلك.
وقمع بونابرت بلا هوادة ثورة القاهرة في العام 1789، فقتل آلاف المصريين في المعارك أو أعدموا. وتعرض الجامع الأزهر لقصف وهجوم من القوات الفرنسية.
وفي تعليق مكتوب أرسله لفرانس برس، قال أستاذ التاريخ في جامعة الأزهر الحسين حسن حماد إن الحملة الفرنسية «هي أول غزو عسكري أوروبي لبلد عربي إسلامي في التاريخ الحديث».
وأشار إلى أن الأزهر كان «يمثل مركز القيادة» لثورة القاهرة ضد الحملة، «وتحمّل شيوخه كعادتهم مسؤولية قيادة مقاومة الأمة على جميع المستويات طوال السنوات الثلاث» لوجود قوات بونابرت في مصر.
وأشار حماد إلى «بعض الآثار الإيجابية» للحملة «كإدخال الطباعة ووضع كتاب وصف مصر وإنشاء المجمع العلمي»، مشددا على أن هذه الجوانب الإيجابية «تمت بدافع خدمة الوجود الفرنسي وتنظيم إدارة البلاد والإفادة من خيراتها وثرواتها».
إسقاط هالة بونابرت
وتقول ماريان خوري، المنتجة التنفيذية لفيلم «وداعا بونابرت» ليوسف شاهين (1985)، إن الحملة الفرنسية «لا تزال تثير الكثير من الجدل».
ويتناول فيلم يوسف شاهين التقدّم الذي يمثله الجنرال كافاريللي (أدى الدور ميشال بيكولي) مقابل القوة العسكرية التي يمثلها بونابرت (أدى الدور باتريس شيرو).
وتقول خوري إن البعض في مصر يقرّون بالتقدّم العلمي الذي جاءت به الحملة، وتستطرد: «لكن في الوقت ذاته، هناك الجانب الاستعماري الذي لا يزال حساسا ولا يقبله الكثير من المصريين».
وتشير إلى أن الفيلم «لم يلق ترحيبا في مصر» ولا في فرنسا. وتقول: «هناك فرنسيون تعاملوا مع الفيلم باستهجان: كيف يجرؤ شاهين، وهو مخرج عربي، على الحديث عن بونابرت وإسقاط هالته؟ بالنسبة لهم، كان ذلك غير مقبول».
استمرت الحملة الفرنسية على مصر ثلاث سنوات، ففي 19 مايو 1798، غادر 38 ألف جندي فرنسي طولون على متن أكثر من 300 سفينة في سرية تامة ولم يكونوا يعرفون وجهتهم بل علموا بها وهم في البحر.
وتم إنزال الحملة التي قادها الجنرال الشاب بونابرت (29 عاما) بالقرب من الإسكندرية ليلة الأول إلى الثاني من يوليو بعد السيطرة على جزيرة مالطا في البحر المتوسط.
وكانت الحملة تهدف إلى قطع طريق الهند على البريطانيين. ورافق الجيش قرابة 160 عالما ومؤرخا ومهندسا أتوا لدراسة البلد ووصفه.
وبعد الإنزال بقليل، كسب الفرنسيون المعركة التي سميت بمعركة «الأهرامات» والتي انتهت بتدمير النظام السياسي للمماليك الذين كانوا يحكمون مصر في ذلك الحين.
غير أن سَرية الأميرال البريطاني هوراشيو نيلسون تمكنّت من تحديد موقع الأسطول الفرنسي في أبو قير وتدميره. ووجد الجيش الفرنسي نفسه معزولا في مصر.
وحاول بونابرت في العام التالي الوصول إلى بلاد الشام شرقا ولكنه اضطر إلى التراجع والانسحاب.
ولدى عودته من بلاد الشام، استطاع أن يصدّ محاولة إنزال قام بها العثمانيون بمساعدة البريطانيين عام 1799 في أبو قير.
عاد الجنرال بونابرت إلى فرنسا بعد ذلك. وبسبب براعته في الدعاية، قدّم نفسه باعتباره منتصرا في معركة الأهرامات وفي معركة أبو قير، قبل أن يستولي على السلطة في فرنسا بانقلاب في التاسع من نوفمبر 1799.
ترك بونابرت جيشه في مصر وعهد بقيادته إلى الجنرال جان باتيست كليبر الذي اغتيل في العام 1800. وخلفه في قيادة الحملة الجنرال جاك دومونو.
وفي أغسطس 1801، استسلمت القوات الفرنسية بعد هجوم جديد عثماني بريطاني، وعادت القوات الفرنسية بعد ذلك إلى بلادها على متن سفن بريطانية.
copy short url   نسخ
03/05/2021
301