+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي أستاذ التفسير وعلوم القرآن كلية الشريعة جامعة قطر
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
العزيز اسم من أسماء الله تعالى، يقول ابن منظور: العزيز من صفات الله عزّ وجلّ وأسمائه الحسنى، ومعناه: الممتنع فلا يغلبه شيء، وقيل: هو القوي الغالب كلّ شيء، وقيل: هو الذي ليس كمثله شيء، وقال ابن الأثير: هو الغالب القويّ الّذي لا يغلب.
وقال الإمام الغزالي: العزيز: هو الخطير الذي يقلّ وجود مثله وتشتدّ الحاجة إليه، ويصعب الوصول إليه، فما لم يجتمع عليه هذه المعاني الثلاثة لم يطلق عليه اسم العزيز، فكم من شيء يقلّ وجوده، ولكن إذا لم يعظم خطره ولم يكثر نفعه، لم يسمّ عزيزا، وكم من شيء يعظم خطره ولم يكثر نفعه لم يسمّ عزيزا، وكم من شيء يعظم خطره ويكثر نفعه ولا يوجد نظيره ولكن إذا لم يصعب الوصول إليه لم يسمّ عزيزا، كالشّمس مثلا، فإنّه لا نظير لها، والأرض كذلك، والنّفع عظيم في كلّ منهما، والحاجة شديدة إليهما، ولكن لا يوصفان بالعزّة لأنّه لا يصعب الوصول إلى مشاهدتهما، فلا بدّ إذن من اجتماع المعاني الثلاثة (ليصحّ الوصف بالعزّة)، ثمّ في كلّ واحد من المعاني الثلاثة كمال ونقصان، والكمال في قلّة الوجود أن يرجع إلى واحد، إذ لا أقلّ من الواحد، ويكون بحيث يستحيل وجود مثله، وليس هذا إلّا الله تعالى، أمّا الشّمس فإنّها وإن كانت واحدة في الوجود فليست واحدة في الإمكان، فيمكن وجود مثلها في الكمال والنّفاسة، أما شدة الحاجة فهي أن يحتاج إليه (أي العزيز) كلّ شيء في كلّ شيء حتّى في وجوده وبقائه وصفاته، وليس ذلك على الكمال إلّا لله عزّ وجلّ، وفيما يتعلّق بالمعنى الثّالث وهو صعوبة الوصول إلى العزيز فالكمال في ذلك يتمثّل في استحالة الوصول إليه، على معنى الإحاطة بكنهه، وليس ذلك على الكمال إلّا لله عزّ وجلّ فالله عزّ وجلّ بذلك هو العزيز المطلق الحقّ، لا يوازيه في ذلك الاسم غيره.
إذا كان سبحانه هو الموصوف بالعزّة التامة المطلقة فإنه سبحانه هو «الّذي يهب العزّ لمن يشاء من عباده، والعزيز من العباد هو كما يقول الغزالي: من يحتاج إليه عباد الله في أهمّ أمورهم وهي الحياة الآخروية والسعادة الأبدية، وذلك ممّا يقلّ -لا محالة- وجوده، ويصعب إدراكه، وهذه رتبة الأنبياء -صلوات الله عليهم أجمعين- ويشاركهم في العزّ من ينفرد بالقرب من درجتهم في عصره، كالخلفاء والعلماء، وعزّة كلّ واحد منهم بقدر علوّ مرتبته عن سهولة النّيل والمشاركة، وبقدر عنائه في إرشاد الخلق. وقال رحمه الله تعالى: من رزقه الله القناعة حتى استغنى بها عن خلقه وأمدّه بالقوّة والتّأييد حتّى استولى بها على صفات نفسه فقد أعزّه الله في الدّنيا وسيعزّه في الآخرة بالتّقريب إليه.
وقال الخطّابي: العزّ في كلام العرب على ثلاثة أوجه، الأوّل: معنى الغلبة والقهر، ومنه قولهم: من عزّ بزّ، أي من غلب سلب، ومنه قوله سبحانه: (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أي غلبني، والثّاني: معنى الشّدّة والقوّة كقول الهذلي يصف العقاب: حتّى انتهيت إلى فراش عزيزة.. سوداء روثة أنفها كالمخصف
جعلها عزيزة لأنّها من أقوى جوارح الطّير، والثّالث: أن يكون بمعنى نفاسة القدر يقال منه: عزّ الشّيء يعزّ بكسر العين من يعزّ، فيتأوّل معنى العزيز على هذا أنّه لا يعادله شيء، وأنّه لا مثل له ولا نظير والله أعلم».
وذكر ابن القيّم أنّ عزّة المولى سبحانه متضمّنة لهذه الأنواع السّابقة كلّها، وهي: عزّة القوّة الدّالّ عليها من أسمائه القوي المتين، وهي وصفه العظيم الّذي لا تنسب إليه قوّة المخلوقات وإن عظمت.
وعزّة الامتناع، فإنّه هو الغنيّ بذاته، فلا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العباد ضرّه فيضرّوه، ولا نفعه فينفعوه، بل هو الضّارّ النّافع المعطي المانع.
وعزّة القهر والغلبة لكلّ الكائنات، فهي كلّها مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته، فجميع نواصي المخلوقات بيده، لا يتحرّك منها متحرّك، ولا يتصرّف متصرّف إلّا بحوله وقوّته وإذنه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوّة إلّا به.
copy short url   نسخ
30/04/2021
3587