+ A
A -
تتحجج الكثير من الحكومات بأنها توفر الأمن والأمان لمواطنيها؛ لتُلجم المواطن وتُغطي على فشلها الذريع في توفير وتغطية احتياجاته الأساسية والرئيسة والمهمة.
ويتساءل بعض المواطنين: كيف للحكومات أن تفهم أن التهويل من أهمية الأمن والأمان لن ينطلي على المواطن «الغلبان»؟! بل كيف للشعوب أن يقنعوا حكوماتهم أن هناك أولويات واحتياجات أكبر، وطلبات أكثر وأهم من التغنّي بنعمتيّ الأمن والأمان؛ التعليم مثلا! والصحة والبنية التحتية وغيره الكثير. ولربما في مقدمة القائمة ما يقاسيه الشباب من ضعف توفير فرصِ العمل، والقائمة تطول ولا تنقص.
ما ذُكر أعلاه، يردده البعض بغض النظر عن الدولة التي ينتمون إليها، تلك النظرة المستخفّة بالأمن والأمان مُرعبة، بل تُثير الاستغراب. فخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام كانت أولى دعواته لمكة: ?وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً? [سورة البقر: 126] وقال الله عز وجلّ على لسانه في موضعٍ آخر: ? ْوَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا? [إبراهيم: 35].
إذن الأمن والأمان، شيءٌ أصيل ومطلوب بل محور قيام الحضارات، أساس تقدّمها، سببٌ للانتعاش الاقتصادي والتجاري وازدهار العملة. الأمن والأمان ليستا مجرد كلمتين، نتفوه بهما. وبالتأكيد ليستا كما تُنطق كلمة الحرب، والدمار، والقنابل، والصواريخ، والرشاشات، والطائرات الحربية، ولن تتقاطع مشاهدهما فهما ضدّان لن يتصالحا. ومنذ أن عاش الإنسان البدائي وحيدًا حتى تعرّف على مفهوم القبيلة كان يبحث عن الأمان بجانب الكلأ والمرعى التي توفر له العيش الكريم.
إذن الأمن والأمان ليست مفردات تطرحها الحكومات؛ لتُداري سقطاتها وزلاتها، بل هما مطلبان أساسيان وحاجة ملحة تسعى إليهما، تَبذلُ من أجلهما جهودًا كبيرة وطاقات بشرية هائلة، وعقولًا مفكّرة، حتى يستمر الأمن والأمان الذي أنعم به أنا في بلدي أو أنت الآخر في أيّ بلدٍ كُنت، جهودًا غير مرئية في كثيرٍ من الأحيان، ونحظى بمعرفة جزءٍ يسير منها، قد لا يتعدى رؤية رجل شرطة ينظم السير، أو مبنى وزارة الدفاع مثلًا. بل تضحي الحكومات في بعضٍ من القرارات السياسية، وتتخذ إجراءاتٍ وخطواتٍ اقتصادية وتجارية تحسّبًا؛ لحفظ الاستقرار واستتباب الأمن والأمان.
ومن يظنّ أن الأمن والأمان ليسا أول مطالب الشعوب، فليفتح القنوات الإخباريّة وليتابع أحوال البلاد والعباد من حوله، وليتفكّر: ماذا خلّفتْ الحروب والاقتتال؟ ماذا أعقب تردّي الأوضاع السياسية، والتنازع على السلطة والضياع بين أحزابه؟ سوى انهيار الاقتصاد والتجارة، تبعه الضياع والهوان والذلة الذي فاقم من مشاكل الخوف والجوع والفقر والشتات، لا تعليم، ولا صحة، ولا بنية تحتية.
فأصبح المرء لا يأمن على نفسه من أخيه أو جاره؛ بسبب تفشي السرقة والاحتيال والنصب، ليتحول العيش الرغيد والحياة الكريمة إلى فوضى عارمة، وجحيم لا يُطاق.
الغيرة على الوطن، وحبه، والرغبة في تقدمه، والمطالبة بتوفير أجود الخدمات هو أمرٌ محمود، وحاجة ملزمة وأساسية في ظل تسارع تطور الأنظمة والتكنولوجيا، مع رغبة الشعوب للارتقاء والتقدم في كافة المجالات، لكن التعدي على نعمتي الأمن والأمان، والسخرية منها، ونزع أهميتها من قلوبنا، وكأنها لا شيء، ستجعل النعمة تُسحب من بين أيدينا دون أن نشعر. وسنجد أنفسنا في يومٍ ما، نغلق أبواب بيوتنا بأقفال، ونضع الكاميرات وتنتشر الشرطة على الساحات والشوارع، وفوق هذا ستبقى قلوبنا غير مطمئنة. بل الأسوأ أن نتجاوز هذه المرحلة؛ لنصبح النموذج المتكرر لحال بعض الشعوب العربية التي خانها الصديق، واستفرد بها العدو. أخيرًا: الأمن والأمان نعمة حقيقة، يجب أن نحمد الله ونشكره عليها، مستشعرين أهميتهما. اللهم اجعل بلداننا العربية والإسلامية آمنةً مطمئنةً.
بقلم : زهرة بنت سعيد القايدي
copy short url   نسخ
17/09/2016
2315