+ A
A -

لم تعد لفظة التنمية مُلتبِسة على أحد، فهي مصدر الفعل نمَّى، ومشتقة من النماء، أي التوسع والوفرة والزيادة فيما ينفع الإنسان، ويحقق له التطور والرفاه والاستقرار، أما مفهوم لفظ المستدامة فربما لا يزال مُبْهما لدى البعض يحتاج إلى التفسير، وللتوضيح فإنه ببساطة ينصرف إلى جميع جوانب الحياة التي يُرجى بقاؤها، والحيلولة دون نضوبها ونفادها، كالموارد الطبيعية مثلا، وبهذا يصبح المعنى جليا لا غموض فيه، واتفق الخبراء المشغولون بتحسين معيشة البشرية على أن التنمية المستدامة تُبنى على أربع ركائز أساسية، لا يستقيم الأمر إلا بمراعاة تحسينها، والحفاظ عليها من المتغيرات الطارئة والمباغتة، سواء كانت جزئية أو كلية، وهذه الركائز هي: الاقتصاد، المجتمع، البيئة، الشراكات.

وجاءت أهمية التنمية المستدامة من كونها رؤية ودعوة عالمية، تبنتها منظمة الأمم المتحدة للعمل على الخلاص من الفقر، وحماية كوكب الأرض من الخطر الداهم الذي يتعرض له في شكل التغيرات المناخية التي لا تخطئها عين، وضمان تمتع جميع الشعوب بالسلام والازدهار المنشود بحلول عام 2030، وتزداد أهمية التنمية المستدامة من ترابط أهدافها السبعة عشر التي وضعتها المنظمة الدولية، إلى درجة لو تحقق هدف منها بعينه في معالجة موضوع محدد، فإنه يؤدي إلى تحقيق بقية الأهداف الأخرى، ولذا لم يكن غريبا أن تتفق جميع الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة والبالغ عددها 193 دولة على أمر ما مثلما اتفقت على أهمية وأهداف التنمية المستدامة التي تشمل 169غاية و233 مؤشرا.

والزخم الذي أحاط بمصطلح التنمية المستدامة عمل على ترسيخ مفهوم في الصورة الذهنية مفاده أنه لا تنمية من الآن فصاعدا إلا إذا كانت مستدامة، وهذا ما لمسناه من خلال فعاليات أسبوع قطر للاستدامة في نسخته السابعة، ومن خلال التوافق الكبير والتطابق التام بين أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة وركائز رؤية قطر الوطنية 2030، هذه الرؤية التي لم تدع غاية من غايات المواطن القطري إلا وضعتها في الحسبان، وأعطتها الدولة أهمية قصوى من خلال الخطط الخمسية.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الأخذ بمبادرة الأمم المتحدة بشأن التنمية المستدامة أمر اختياري، يرجع لسياسة ونهج كل دولة، ونهج دولتنا نابع من إيمان قيادتنا بأن التنمية المستدامة هي سبيلنا إلى تحقيق ما نصبو إليه من مستقبل مزدهر، حتى قبل أن تعلن الأمم المتحدة عن اتفاقيتها أو مبادرتها، فلم يتوقف عطاء قيادتنا الرشيدة عند حدود الحاضر وإنما تجاوزه إلى التخطيط لمستقبل البلاد بإطلاق رؤية قطر الوطنية 2030 لتوظيفها بمثابة خريطة طريق واضحة للمستقبل، تحقق أهداف التنمية المستدامة، وتعمل على دفعها إلى الأمام من خلال الموازنة بين الإنجازات التي تحقق النمو الاقتصادي وبين مواردها البشرية والطبيعية والإنسانية، وتشكّل هذه الرؤية منارة توجّه تطور البلاد الاقتصادي والاجتماعي والبشري والبيئي في العقود المقبلة، بحيث يكون شمولياً، تستفيد منه الأجيال الحالية واللاحقة في مختلف جوانب الحياة.

وحفاظا على المكتسبات وتحقيق المزيد منها يتوجب إقرار نظام مؤسسي راسخ في كل قطاعات الدولة يحدد المسؤوليات، ومواطن الخطأ والصواب، بعيدا عن العشوائية والعفوية التي تفسح المجال لوجهات نظر يشوبها التحيز والفساد والمحسوبية، فالنظام المؤسسي القائم على هيكل وظيفي سليم يحقق العدالة والشفافية، ويضمن حق المساءلة، ويضع قواعد ومبادئ منصفة لإدارة المؤسسات، ويوزع المسؤوليات عبر هياكل تنظيمية محكمة قائمة على أسس علمية، فلا تذهب الترقيات الاستثنائية لأصحاب الحظوة دون أصحاب الكفاءة، ولا توزع المكافآت والعلاوات طبقا للأهواء، فيحرم منها مستحقوها وتضل الطريق فتذهب إلى أرصدة وجيوب الغير.

النظام المؤسسي كما نعرفه يحقق حالة من التكامل في العمل، ويعين على توفير الاستقرار الوظيفي والحماس والإخلاص في الأداء فيتحول اقتصاد البلاد من ريعي إلى إنتاجي، يضمن أعلى جودة في المنتج، والمنفعة العامة والقصوى لجميع الفئات، ويمنع تقاطعات المسارات الوظيفية وتداخل المسؤوليات، لأنه يحقق التنظيم والاتزان، مما يقي من ضياع الوقت والجهود والأموال، ويرفع من شأن التخطيط الاستراتيجي الذي يقود إلى النجاح، يؤمن بالمبادئ والقيم الجوهرية السامية التي يجب أن تتوفر في بيئات العمل السليمة، كالشفافية، والنزاهة، والأمانة، التي هي نتاج طبيعي للتنمية البشرية.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر ستكون هناك مقالات لاحقة تفصيلية حول التنمية البشرية إن شاء الله تعالى.

copy short url   نسخ
17/10/2022
155