+ A
A -
تساءلت صغيرة عن حكمة الله في الكوارث التي تودي بحياة البشر وأخيراً وجدت ضالتي في محاضرة ألقاها العلامة عدنان إبراهيم عن المراد من خلق الإنسان ناقصاً، أورد فيها قول عالم الوراثة الأميركي فرانسيز كولينز: «لا معنى لأن يخلق الإنسان كاملاً لا يمرض، لا يهرم ولا يموت».

فرُغْمَ تشكيك البعض فيما أنه لو كان الإنسان صنيعة رب الكون لكان حتمياً أن يخلق على أكمل وجه.

والحقيقة هي أن مراد الله أن يُخْلَق الكائن البشري على هذا، فخلق الإنسان مريضاً لهو أمر إلهي مقصود للابتلاء وللعبرة، لشحذ همم العلماء لاكتشاف لقاحات لعلاج أوبئة كالطاعون والهيضة وغيرهما، فلولا وجود الأمراض الوراثية لما وجد العلماء أنفسهم مدفوعين لدراسة علم الخلايا ومن ثم معرفة الله بشكل أعمق.

فمشيئة الله تخضع الإنسان لمحن شتى من خلال نقائصه لا كماله لاستكشاف إمكاناته.

فمن أسرار البلايا هي أنها تعود بنا إلى خالقنا بل تعود بالإنسان لإنسانيته، وتخطي المرء للألم يُوقع به بصمة خلوده.

وقد ورد على لسان د.عدنان: جميل أن تجهل لأن ذلك سيحرضك على التعلم.

وجميل أن تفتقر لتضيق بفقرك فتعمل لتوسعة رزقك.

وجميل أن تكون قصيراً، فتتحدى جبل افرست ثم تصل لقمته.

ورائع أن تتخيل صغيراً القمر على شكل قطعة جُبن ثم تشب لتصبح رائد فضاء تحط بأقدامك عليه.

وضروري أن يموت لك عزيز بعضال، فتبحث لتصل لأمصال تقهر الأمراض.

وجميل أن ينهار البطل فتحيا القيمة، فالمرء الناقص يفتقر ويمرض ويموت، وبموته تخلد قضيته فيصبح بطلاً ماجداً.

فمعظم بطولات الأبطال تترونق في مظلوميتهم وموتهم، فانتصارات الأبطال تتحقق بمجرد وداعهم، فيتألق معنى تضحياتهم التي ماتوا من أجلها وبفناهم تتأبد قيمة المعنى وتخلد ذكراهم.

فقبيح بك أن تظن نفسك كاملاً ومستغنياً لا تحتاج لأحد فلا تتواصل مع مخلوق.

إن كل حادث سيارة يقع لك يدفعك للتعامل مع ميكانيكي فيتأكد احتياجك لحرفيته ونقص علمك إزاء خبراته ما ينزلك من عليائك لتدرك أن الدكتوراه بحوزتك لم تغنك عن البشر وبالضرورة رب البشر.

فدموعنا لفداحة المصاب تجمل إنسانيتنا وتبرهنها والأجمل منها هي محاولات الإنسان التحامل إيمانا منه بقيمة الحياة وجدارتنا في الاستمرار في المحاولات لخط المصير وإكمال المسيرة.

وأتفق مع العلامة القدير أن الإنسان أجل من المَلَك المبرمج على العبادة، لأنه الأخير عديم احتمال الخسارة كما أنه ناجٍ سلفاً، لكن أي معنى للنجاة دون وجود مخاطر الغُرم وفرص الاختيار بين الصواب والخطأ أو بين الصواب والأصوب؟

فالإنسان مميز بقدرته على انتقاء الجزء الملائكي فيه عبر معاناة وجهاد وتمحض للخير.

أما المَلَك فلا خيارات لديه ولا ملهيات أو ضغوطات يتحداها.

فمنحة كبيرة لملياردير لا تثير فينا تأثير منيحة بيل جيتس والذي خصص 90 % من ثروته للفقراء رغم أنه ليس سليل أسرة ثرية فتدرك أن منيحته فاقت عطايا الأغنياء بالوراثة.

فهذا هو الإنسان إزاء المَلَك، لأنه يعطي رغم هواجس ومخاطر وفتن وشهوات.

فاستقامة الإنسان هي وليدة معاناة نقصه واجتهاده واختياره الحر بين تفضيلات لا نتيجة عبادة مبرمجة لا خيارات يروز بينها فيختار ويحتار.

لذا، فقد ثمن الله ركعتي بني أدم بكل سجدات الملائكة.



بقلم : داليا الحديدي

copy short url   نسخ
07/05/2016
1777