+ A
A -




ليست القضية في خروج الأم للعمل أو المكوث في البيت، بل المحك في نوعية الوقت وكم الطاقة الإيجابية المخصصة للعائلة.

فقد تجلس الأم بدارها جلوس الطالب البليد على مكتبه لساعات مفتقراً للتركيز، وقد تسخوا بوقتها على الهواتف والمعارف، ثم تتباخل بالتواصل مع صغارها استخساراً لسويعاتها معهم، فهي تراهم عراقيل لنجاحها، فيغزوها حزناً كلما طوت الأيام بعضها، ويغشاها وجع يومياً متواتر وهاجس باستحقاقها لواقع أفضل من الحال، فتنقم لغرقها في مستنقع تفاصيل تراه لا يثري سيرتها الذاتية، ما يورثها شعوراً بضياع مستقبلها دونما تحقيق مجد شخصي أو دون أن تتحقق هي شخصياً.

إنها تلك الحيرة السرمدية بين أيهما أنفع وأبقى، أحلامنا أم أبناؤنا؟

أنه صفر «الروولات» المجنون الذي نجهل على أي رقم سترتكز عليه أرباحنا؟

فكم من أم ابتليت بعقوق أبنائها، فتتحسر على موهبة لم تستغلها تعوض غدر الأبناء.

وكم من سيدة خسرت عملها، فينهشها الندم متمنية لو كانت اختارت حياة ربة المنزل المترهلة الجسد والأحلام، تلك التي فقدت كامل فتنتها، فتعض على يديها وتشدو بحسرة «يا مرايتي» كلما صدمتها صورة ليلى علوي وقد زادتها الأيام صبا، ثم تبلسم جراحها بادعاء زيف الصورة!

سيدة تنبعث من شعرها رائحة زيت «دابر أملا» ومن فمها يفوح لبان الدكر، ومن ملابسها عوادم الثوم والبصل، محطمة الأظافر، وزنها من ثلاثة أرقام، لا تقرأ سوى الطالع، لكنها تتقن رسم صورة الأم المضحية.

سيدة تدور في فلك زوجها متوهمة بأنها حازت «نوبل» لو أطراها علناً، فتستميت للحصول على لقب «الطيبة»، لا تتنازل عنه إلا حينما تغدو حماة، فتستأسد وتطلق الحيوان الشرس الكامن داخلها.

وفي خضم الحيرة بين الطموح لحلم والرضوخ لواقع، تتملك بعض الأمهات شهوة مستترة للتربح من الحياة وجني الثمار، دونما يقين من كون الأبناء هم غرس اليوم وغنائم الغد، لا سيما أنها غالباً تكون فقدت والديها أحدهما أو كليهما، فيغنيها الله بأبناء تحسبهم عائقاً ليومها بينما رزقهم لها، سنداً لغدها.

لكن هيهات لو ارتضت بهكذا سند، فتتعاطى مع الأولويات من منطلق التضحية لا الاستمتاع ومن فرضية أداء الواجب تعدل اغتيال الموهبة.

تتعاطى بعض الأمهات مع الأبناء كواجب روتيني لا يحقق متعة الهواية أو مجد الموهبة، فتنشئ أبناؤها بنمطية تسكيناً لضميرها، فتنتج نسخاً بشرية من السائد في المجتمع، كما تصمم على أن يكونوا بديلاً لأحلامها الضائعة مع سلسال منّ دون سلوى: «خلفتكم، ربيتكم وأضعت عليكم عمري»، ويكأن الأبناء لم يمنحوا آباءهم وأمهاتهم شهادة براءة من العقم واستقراراً نفسياً ودعماً لمركزهما العائلي وحق أكبر في المواريث وحباً حقيقياً وسعادةً وامتداداً لوجودهما في الكون وأماناً لمرحلة الشيخوخة!

أما الطامة فهي زهو الأمهات بانجابها للمجتمع «مهنة» سواء مهندس، طبيب، أو حتى لاعب!

فالإنجاز في شريعتها يعدل مهنة سيما لو ملقحة بشهرة ومتوأمة بثروة، بغض النظر عن مستوى هذا الطبيب.

فتحري نوعية المنتج التربوي قل نصيبه في ثقافتنا التربوية.. ولا نتوقع أن ننفق بقلاً، فنربح غنماً.

بقلم : داليا الحديدي

copy short url   نسخ
09/04/2016
1577