+ A
A -


طفت بالبيت العتيق، ودفعتني مكة إلى منى وأرسلتني منى إلى عرفات ومن قبل تطهرت في أماكن الإحرام ناويا العمرة متمتعا بها إلى الحج.. اغتسلت على صعيد عرفة في هذه الرحلة الإيمانية التي فرضت على من يستطيعها لشدة أهوالها فكلما اقترب يوم الثامن من ذي الحجة ينتاب الحجيج هاجس من الرهبة، ففي هذا اليوم تبدأ مناسك الحج حيث تدفع الكعبة الحجاج إلى منى ليقضوا هذا اليوم وليلة التاسع من ذي الحجة محرمين ملبين استعدادا ليوم عرفة. نعم الكعبة تدفع المؤمنين إلى منى وعرفات، وتوقفت أمام هذا الأمر كثيرا، فالحج رحلتان، رحلة يفد فيها المؤمنون من ديارهم إلى البيت العتيق ورحلة إلى عرفات والمشعر الحرام ومنى، ثم عودة إلى مكة، وكأن الكعبة هي القلب والمؤمنون هم قطرات الدم تتدفق من الجسد الإسلامي إلى هذا القلب من كل فج عميق مشكلة بذلك الدورة الدموية الكاملة، فإذا طاف المسلمون طواف القدوم حول الكعبة وسعوا بين الصفا والمروة دفعتهم الكعبة إلى منى وعرفات لتتم تنقيتها مشكلة بذلك الدورة الدموية الصغرى، فمنى وعرفات رئتان تنقيان الدم لتدفع به إلى الكعبة في طواف الافاضة حول البيت العتيق الذي يدفعه من جديد إلى ديار الإسلام التي وفد منها.والحج عرفة: وعرفة هو التنقية الداخلية الكبرى للمؤمنين ومنه يفيضون إلى المزدلفة، ثم إلى منى فيرجمون جمرة العقبة الكبرى، وينطلقون إلى الحرم يؤدون طواف الإفاضة، ثم يعودون إلى منى يتحللون من الاحرام، وينحرون ويطعمون البائس والفقير.
وعرفات حقل الإسلام، المؤمنون بذور أرضه الطيبة، ورحمة الله غيث يروي هذه البذور النابتة على صعيد عرفة فالأيدي المرفوعة إلى السماء كأنها أغصان زيتون مباركة وكأن الأصابع أوراق هذه الأغصان، تحركها نسائم الحب لتنطلق بحفيف الدعوات إلى السماء، وعرفات توبة وغفران، يعود منه المؤمن كيوم ولدته امه، انه قمة المناسك، وهو جنة في ربوة، تقيم فيه يوما كاملا ضارعا إلى الله عز وجل حيث يتجلى على عباده مباهيا الملائكة بعباد الرحمن الذين جاءوا محرمين ملبين سائلينه المغفرة، وحين تغادره في نفرة الحجيج بعد غروب الشمس، تشعر كأنك خارج من جنة ابويك آدم وحواء، وان اول فعل تقوم به بعد مغادرتك، هو رجم الشيطان الذي اخرج أبويك من الجنة. سيترصدك الشيطان خارج حدود عرفات ويحاول معك ليضلك من جديد بعد ان غفر الله ما تقدم من ذنبك، وكثيرون يقعون فريسة الإغواء إما بالرفث أو الفسوق أو الجدال وهذا الجدال هو الذي حاول الشيطان ان يفسد به مناسكنا وعليك ان تكثر بالاستعاذة بوجه الله الكريم من الشيطان الرجيم ولا تترك له مجالا للدخول إلى مجرى دمك نعم سيلقاك الشيطان، وإذا كان الرجم في ثلاثة مواضع، فالذين حاول الشيطان صرفهم عن طاعة أمر الله، في قصة الفداء كانوا ثلاثة: رجل وامرأة وشاب «إبراهيم وهاجر واسماعيل عليهم السلام». والرجم يمثل تعاونا يشترك فيه القلب بالتوجه إلى الله، والعقل بتحديد القصد، والعين بتحديد الهدف، واليد بالحركة، متخذا من حصيات الأرض مادة ترجم بها الشيطان ومن أنت؟ جزء من هذه الأرض يتحرك بأمر الله وروح منه ورمي الجمار انما هو تحريك لجزء من مادة الأرض حركة مؤمنة، وهو شعيرة تلتقي فيها المادة والروح، وهو تعبير عن ولادتك الجديدة في عرفات، وهنا يتحول الإيمان إلى حركة واعية هادفة.
هذه الحركة الواعية الهادفة تلمسها في حجاج دول شرق آسيا اما حجاج العالم العربي والافريقي والإيراني والتركي فهم يحتاجون إلى تثقيف بدينهم، فلا تستغرب إذا زاحمك حاج عربي في موقف الصلاة ليقف بينك وبين زوجتك أو امك أو اختك، فتحتد وتطلب منه ان يذهب إلى موقع آخر وتصر امام عناده للانسحاب انت وحريمك، ولا تستغرب إذا شاهدت حاجا من هؤلاء وهو يتوضأ بماء زمزم امام الملأ في موقع الصلاة واستعذ بالله من الشيطان إذا ألقى ابليس بنفسه في حضنك وانت ترمي الجمرات على شكل امرأة واستعذ منه إذا تعلقت بك امرأة في طواف الافاضة أو الوداع فإبليس يحاول نقض ايمانك وتخلص من الموقف وأسرع للوقوف في اتجاه البيت العتيق، ضارعا إلى الله ان يقبل توبتك وان يغفر ذنوبك واستعذ دائما بوجه الله الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم.
بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
11/09/2016
665