+ A
A -
إن شخصًا لا يفكر يعيش بأوهام مستعارة، لأنه لم ييسر للبشر من خداع أسهل من خداع أنفسهم.ولتجدن شخصا متوسط الحال، يرتاد الفنادق الفخمة، والمجمعات الغالية، يبتاع عصيرا أو حلوى رخيصة ثم يخدع ذاته وآخرين بسيلفي ينشره يشي بأنه من سلالة الأثرياء.واهٍ لو تمكن بالزج بمفردات أجنبية أو نثر بعض عناوين الكتب الغربية بين جنبات حديثه. فالأمر لن يكلفه حتى عناء شراء بحث أجنبي يحصل به على شهادة دكتوراه مزورة، بل سيتمكن بكل أريحية أن يضيف حرف «الدال» لاسمه ليصبح رسميأ العلامة الدكتور «أونطجي باشا».وبالمثل، يظلم الأخ «الزلنطحي» شقيقته، بالامتناع عن منحها ميراثها، ثم يجاهر بنشر صورة شاه الأضاحي التي أرسلها لها.تلك المجاهرة بالهدية لا تهدف لدرء خسيسة حرمان رحمه من الميراث فحسب، لكنها معنية بإقناع نفسه أن شقيقته الرافضة للهدية، هي التي تصمم على قطيعته رُغم محاولاته المتوددة لها بالقرابين.وحين ينعي زوج «اُلعبان» قرينته على منصات التواصل بكلمات ما سمعت المسكينة عشر معيشيرها وهي على قيد الحياة كونه أذاقها صنوف الهوان، فهو صدقًا لا يرثيها، لكنه «أونطجي منشورات»، يُرمم أشلاء صورته أمام ذاته ليستوي نفسيًا، فتجده يتفنن في إدهاش محيطه، فيمنع دخول «القلقاس» البيت، ويتعامل معه كثمرة محرمة، لأن المرحومة كانت تعافه. ثم يُعلن أنه امتنع عن شراء البوظة، لاعتياده على تناولها مع المغفور لها من «قويدر».ثم ترى الكراهية طافحة بالأحقاد بين أبناء العمومة، ثم تجد كبيرا أونطجيتهم مُصِرًا للزج بواقعة رقصه في عرس بن عمه كبرهان محب، وكأن هز هيبته في العرس يعد تعويضًا ماحيًا عن سطوه على ممتلكات قريبه. ثم يصف لك تفاصيل المحادثة الهاتفية، وكيف ارتعش صوته ارتعاش مرضى «باركنسون» مع أول «الو» سمعها من بن دمه، ليدمغ عمق شوقه له رغم الخلافات.فمن بين «أونطجية البشر» من هم على استعداد لإرعاش أصواتهم خلال المحادثات الهاتفية والبكاء على أطلالك كما لو أنها تمطر عشية الميلاد بمدينة «ويلز» أو الرقص في عرسك وهز هيبتهم بمقدار 9 ريختر، كما وتسمية مولودهم الأول على اسم من ظلموه لكنهم ليسوا على استعداد لإصلاح ما افسدوه، بالتعويض عن الخسائر.حتى مع الله، يتلاعبون بهويتهم الإيمانية، فيتمسكون بتمظهرات الدين غير المُكْلِفة، فيجرمون التنميص، وبالمقابل، يتفنون في التملص من دفع زكاة الذهب، يبخسون المهور ويتهربون من حقوق المواريث بالبيع الصوري، يفرغون المساجد من بعدها الديني والتربوي ويتمسكون بقبابها، ليزرعوا داخلها الفتن الطائفية.يستخدمون الله كفزاعة، فيُحرمون المصارف الربوية، فيفزع التُبّع لمصارف تسكن أوهامهم عبر تمثيلية «لدينا قسم وفقا للشريعة»، كمن يفتتح ماخور ويخصص فيه محرابًا لأداء الصلاة.ما أشرس ضراوة هؤلاء الأونطجية في شن الحرب ضد صغار الآثمين، فيما يغضون الطرف عن عتاة الظلمة، ولو اثمرت آثامهم غلالًا من الشناعات.ثم أن أونطجية البشر بحاجة «لجلل» للاعتراف أمام أنفسهم بخطاياهم، أخذًا في الاعتبار أن مشاهدة الإباحيات لا تعد جللًا في شرعتهم، كما أن هتك شرف حليلة الغريب أوالاعتداءات السطحية التي يسحقون بها الطفولة لا يَعُدونَها جَللًا.وحرمان الإناث من ميراثهن لا يُعتبر جللًا، بل حفاظًا على ممتلكات العائلة وإلقاء الأخ في غيابت الجُب لا يُرى جللًا، طالما لم يسفك دمه.فالأونطجي يتقن فن ارتياد النُزل الفخمة لتزوير هويته الاجتماعية بنفس الطريقة التي يوهم بها ذاته أنه فارس يمنح الهوى للمحرومات لانتشالهن من المِحَن، وبالأسلوب ذاته يسفك روح زوجته، ثم يرثيها بمنشور عاطفي يقطع نياط القلوب نوط نوط.ويأكل إرث أخته الكبرى، ليحلى بميراث الصغرى، ثم يرسل لهما سهمين من الأضاحي كقرابين خادعة.إن شخصًا يستخدم خريطة تضاريس فكرية لسواه، لضال وإن اهتدى بعميان.وأخيرًا ألفت النظر لكون صور خداع النفس في عالمنا الحديث لا تحتاج سوى «لأونطجي» حريصا على غسل بدنه ، مع تناسي تطهير فكره، ولو مرة بالعمر.
copy short url   نسخ
28/05/2022
20