+ A
A -
روى الحافظُ ابنُ كثيرٍ رحمه الله في الجزء الثّامن من البداية والنّهاية، أنّ رجلاً من أهل العراق سأل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن المُحرِمِ يقتلُ الذّباب!
فقال له ابنُ عمر: أهلُ العِراق يسألون عن قتل الذّباب وقد قتلوا ابنَ بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم!
لستُ بصدد مناقشة ما حدث وقتذاك، فتلك فتنة عصمَ اللهُ منها سيفي، فلن أخوضَ فيها بقلمي! ولكنّ الشيء بالشيء يُذكر، والحوادثُ يستدعي بعضها بعضاً، وقد تذكرتُ هذه الحادثة عندما رأيتُ خوف العالم المتحضّر على حيوانات قطاع غزّة!
تمّ بحمد الله إخلاء حديقة الحيوان في غزّة، وصار بإمكان هذا العالم أن ينام قرير العين مطمئناً على إنسانيته، فالنّمرُ الذي اسمه لذيذ لم يعد بخطر محدق، فقد غادر هذه المدينة برفقة أربعة عشر حيواناً من رفاقه! وقد صرّح أوري مادار منسّق الزراعة بإدارة التّنسيق والاتصال في القطاع معلقاً على هذا الحدث الإنسانيّ: ليس من الضروري أن أكون خبيراً لأعرف أنّ الحيوانات ليستْ بخير! هذا صحيح أيها المتحضّر، لا يلزم أن تكون عالِم حيوان لتعرف أن البجعة التي تم إخلاؤها لم تكن بخير، ولكن يلزم أن تكون إنساناً لتعرف أنّ البشر في غزّة ليسوا بخيرٍ أيضاً!
ثمّ أضاف المُنسّق الرّحيم قائلاً: هذا اليوم احتفال لجميع محبي الحيوانات في العالم! ماذا عن محبي البشر حضرة المنسّق؟! أيعلمون أن سبعين ألفاً أو يزيدون من أهل غزّة بلا مأوى؟! وأنّ نصف البيوت التي دُمرت في الحرب الأخيرة لم تُبنَ بعد؟! فإن كان من حقّ محبي الحيوانات في العالم أن يحتفلوا، فعليكَ أن تخبر محبي البشر إن صادفتهم بهذه الحقيقة فمن حقهم أن يلطموا!
ويتابع المُنسّق الرّحيم معللاً سبب إخلاء حديقة الحيوان: بسبب سوء التغذية لبعض الحيوانات فإننا نرى عظام بعضها! لقد قطّعتَ قلبي، وأدميتَ مشاعري، فأنا مثلك لا أرضى أن تُصاب القرود بسوء التغذية، ولكني لن أحتفل معكم لأني أعرف أن كثيراً من أطفال غزّة يُعانون سوء التّغذية أيضاً!
ينتهي كلام المُنسّق الرّحيم، وتُعلّقُ الناشطة السويدية كايسا إيكمان قائلة: تمّ إخلاء حديقة الحيوان لأنها لم تعد صالحة لحياتهم، ولتأمين ظروف عيش كريمة لتلك الحيوانات! يا حياتي! أكاد أبكي من فرط حنانك، ولكني قبل أن أشرع بالبكاء أريدُ أن أسألكِ: من أخبركِ أنّ غزة صالحة للعيش البشري أساساً؟! خذوا حيواناتكم وانصرفوا وأريحونا من دموع التماسيح، واللهِ ما فينا يكفينا!
نحن مع الرّفق بالحيوان، ونحن الأمة التي أعطت الحيوانات حقوقاً عندما لم يكن في الأمم الأخرى حقوق إنسان! وكان نبيّنا يُؤنّبُ صحابته لأجل عصفورة قائلاً: من فجع هذه بأولادها؟! ولكن الفرق بيننا وبينكم أننا عندما لم نرضَ أن تُفجع عصفورة بأولادها لم نرضَ أيضاً أن تُفجع أم بشرية بأولادها! الإنسانيّة لا تتجزّأ أيها المتحضّرون، والحيوانات لم تكن يوماً أهمّ من البشر إلا في عالمٍ حيوان!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
03/09/2016
3897