علمتني السياحة

- كم يعلمنا الترحال أن السفرات يذهبن الحسرات.

- كم يُعلمنا السفر أن السعي لجام الخيبات وكفن الأحزان، فالنوارس تنسي نعيق الغربان.

- كم يُعلمنا السفر أن الإخوة ليسوا بالضرورة من صلب الأرحام بل مبعثرين بين طيات أطلس، قد تجمعهم الإنسانية في مخفر، في دكان، أو في ألف حلقة وصل من نسيج الزمان.

- كم يهمس لنا الترحال بوصية أن لا تمنح ثقتك لأشباه الأقارب، فقد يكونون عقارب.

يُعلمنا الترحال أن من لظّى أشعة الشمس، قادرٌ على إغاثة تربة نفسك بسيل حتى يخضوضر الأقحوان على عشب كيانك.

- كم يُعلمنا الترحال أهمية الركض، فالركود ممول للخيبة، فيما الركض والحركة شاهدا عدل على وثيقة الاقتران بالنجاح.

- كم يكشف لنا الترحال عن فئات تتعاطى مع الناس على أساس أن الغلظة، المكر هم فطرة البشر، فيهيأ لهم أن الطيبة والرقة فخ والمجاملات الذوقية كمين.

- علمتني السياحة أن اعتياد البعض –بصرف النظر عن موقعهم على أطلس- على الخطأ يدفعهم لألفة أغلاطهم الموروثة كونها تصبح من مقتنياتهم، فيرفضون النقاش حول صوابيتها، فالجاهل يعاني خشونة في المخ تعوقه عن تقبل الحقائق، ويتحول لكلب موظف لحراسة التُرّهات حتى وصفه الأرجنتيني «أوسوالدو دراكون» بأنه يع يع يع يعوي، لأنه يع يع يعتاد العواء على المألوف من ضلالات حريص على حراستها.

- كذلك علمتني السياحة أن أصعب من تتعامل معهم في أنحاء المعمورة هم الشخصيات المؤدلجة لأن حقيقتهم تكون مُسبَقة، إذ يأوون لأحضان الإجابات المعدة سلفًا ولا يحتكمون للبراهين بل يستعيضون عنها بالخرافات، لإيمانهم باحتكار الحق كما يكونون أغير ما يكون على متعلقاتهم وخزعبلاتهم الموروثة التي يتعاملون معها كثوابت ولو اعتباطية، عدا أنهم يدافعون بشراسة عن خمولهم في ممارسة رياضة التفكير حتى لو كلفهم ذلك إجراء عملية ختان ذهني لعقولهم وإن بلغوا ذروة الحماقة.

- تعلمت من السياحة في أرض الله أن التنوير ليس مجرد إزاحة البرادي عن خفايا الباطل بل هو حرب على بلاهة المسلمات، وإن كانت تلك الحرب تتطلب دك حصون الجهل إلا أن فاتورتها هي أنها تورد الدرك الأسفل من السجون والمهالك.

- علمتني السياحة أن البشر لا يصدرون جوازات سفر إلا لمن يصنفونهم بالعقلاء أو الصالحين الذين من صفاتهم أنهم لا ينتقدون المسلمات، وحبذا لو كنت نسخة طبق الأصل منهم، فمن الناس من لا يتصالح مع من يسعون لأن يكونوا أنفسهم، لأن أولئك يهددون سكينة الحقيقة، وبحسب سارتر «فلطالما كان الانتماء هو مكافأة من يتنازل عن حقه في التفكير».