+ A
A -
تنص المادة الأولى للدستور الفرنسي على أن فرنسا جمهورية علمانية ديمقراطية اجتماعية غير قابلة للتجزئة، تكفل مساواة جميع المواطنين أمام القانون دون تمييز يقوم على الأصل أو العرق أو الدين، وتحترم جميع المعتقدات، وأن شعار الجمهورية هو «الحرية والمساواة والإخاء».
بإمكان الرأي العام العالمي وليس الإسلامي وحسب، التوقف ملياً عند هذا النص، أمام مشهد السيدة التي صُوّرت والأمن الفرنسي يجبرها لنزع اللباس البوركيني، وهنا قضية إضافية لم يعتن بها الاعلام، في اجبار السيدة المسلمة على نزع البوركيني، فهي وفقا لهذه المادة، جريمة كراهية واضطهاد عنصري، ففي حين كان بإمكان الأمن أخذ السيدة إلى مكان متوارٍ ومأمون، وعرض الرؤية القانونية غير المشرعة أصلاً، تم وضعها تحت هذا التصرف الذي يناقض النص الدستوري.
ووفقا للدستور الفرنسي أيضا، فإن مهمة رد الاعتبار القانوني، للمظلومين والمجني عليهم بقوانين عشوائية، متروكة للقضاء حيث النص يقول: تكفل السلطة القضائية باعتبارها حامية الحرية الفردية احترام هذا المبدأ وفق الشروط المنصوص عليها في القانون. وهنا لا يوجد قانون يمنع أبداً، ولكنها اجتهادات تتوسع لدى اليمين الفرنسي وجزء من اليسار، مع كل حملة أوروبية تستهدف المسلمين عند وقوع أعمال عنف وإرهاب، وربما بعضها لم يُنفذه مسلمون أصلاً.
وتم مناقشة ذلك في الاعلام الفرنسي وتحديدا قناة فرانس 24، وكيف يسمّى كل فعل عنف يقوم به مسلم هو إرهاب في الإعلام الغربي، في حين يسمّى كل عنف يقوم به آخر جريمة!، لكنه حوار بين اعلاميين عرب في القناة، لا مفكرين ولا مشرعين دستوريين فرنسيين.
ولقد علق المجلس الدستوري القرار التمييزي لبعض البلديات، بشأن مطاردة البوركيني، وهو لباس سباحة محتشم يمنع تعري المرأة، ويسمح لها بممارسة السباحة في الشواطئ المفتوحة، والصور التي وَثّقت ظهور أخوات الكنيسة الكاثوليكية من الراهبات في لباس مشابه، يعني أن القضية مخصصة فقط للبعد الإسلامي.
إنه من الواضح أن أوروبا تعيش حالة هيجان، في التعامل مع الوجود الإسلامي والمختلِف الذي قبل به الدستور، وأن المعركة اليوم تقوم على إعادة صياغة المواد الدستورية، بحيث تضاف باستثناء المسلمين وإن لم يُسموا، أو استصدار قوانين تستثمر عبارة (بحسب ما ينص عليه القانون)، لتفرّغ مواد الحريات العامة من مضمونها.
والأزمة اليوم تؤكد أن فكر العدالة الإنسانية وفلسفة الحقوق ليست تشريعات دستورية فقط، وإن كانت التشريعات الدستورية ضرورة بعد وعي أصولها، والتوافق الشعبي حولها، لكنه أيضاً فلسلفة أخلاق، ومساحة الاخلاق في هذه الفلسفة تتراجع كثيرا، وينكشف النص الدستوري عند النفس العقائدي المسيحي أو العنصري، أو تطرف النزعة العلمانية.
وبالتالي فإن الحق العام الذي نص عليه الدستور، يُعاد تفسيره بأنه للإنسان الأوروبي المسيحي أو اليهودي أو الملحد أو لغيرهم دون المسلمين، رغم أن المسلمين أقاموا فترات زمنية لظروف تخلف واستبداد سادت في بلدانهم، أو لاعتداءات وحروب تاريخية مارستها أوروبا المسيحية من قبل وبعد ثوراتها، فاضطروا للهجرة، واستفادوا من مساحة هذه الحقوق لحياتهم وامنهم، إلّا أن نزعة العداء اليميني القديم في أوروبا، تعود من جديد وهي ذات جذور عميقة قبل أن تولد داعش بمئات السنين، كما أنها نزعات شرسة عاشتها أوروبا داخلها، ومع عالم الشرق الكبير.
وهذه الفلسفة الأخلاقية تُهزم، فيُعطّل أو يُغيّر النص الدستوري، وتنتهي مساحة الحقوق فوراً، أما الجانب الثاني، فإن الغرب إجمالا يتقدم بصورة مروعة، للتوسع في كل ما يخالف الفطرة البشرية، من طباع الفضيلة والحشمة والآداب العامة، بل يرتد نحو الشذوذ، كما يجري مع قضية تشريع المثلية الجبرية لنقض أسس العائلة، في الحياة الإنسانية لكل الديانات.
وهنا تتوحش الروح أمام أي نزعة فضيلة، وتتحول إلى ذات مستبدة، ترفض الحياء لأجل الحياء، والفضيلة لأجل الفضيلة ذاتها، ثم تصنع من هذا التوحش دستوراً نفسيا يُردد الدفاع عن قيم العلمانية، في حين هو يدافع عن طباع التوحش ضد الفطرة الإنسانية.

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
01/09/2016
2543