+ A
A -
أعلن مجلس النواب في مدينة طبرق شرقي ليبيا، فجر الإثنين، رفض انقلاب الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، مؤكداً دعمه لمبادرة رئيس البرلمان عقيلة صالح، للتوصل إلى حل سياسي للأزمة، وذلك في أعقاب سلسلة من الهزائم التي مُني بها حفتر خلال الشهر الجاري.
جاء الإعلان في بيان صادر عن 11 عضواً بارزاً في مجلس نواب طبرق، الذي لم يعُد يحضر اجتماعاته سوى نحو خُمس النواب من إجمالي 200، وفقاً لما ذكرته وكالة الأناضول.
كما يأتي هذا البيان في وقت تشهد فيه ليبيا تغيرات سياسية وميدانية على وقع الانتصارات في الغرب الليبي، التي حققتها قوات حكومة الوفاق المُعترف بها دولياً، وإعلان قوى دولية دعمها للأخيرة.
البيان قال إنه «يدعم دعماً كاملاً مبادرة صالح كحل سياسي نهائي للأزمة الليبية»، مضيفاً أن المبادرة «تحمل حلولاً جذرية للأزمة الليبية، تتمثل في تشكيل السلطة التنفيذية على أساس الأقاليم الثلاثة التاريخية (طرابلس، برقة، فزان)».
كذلك اعتبر بيان المجلس أن المبادرة تتضمن «آلية الاختيار واتخاذ القرار وتوزيع عادل للثروة بين الأقاليم، وتعيين لجنة جديدة من الخبراء لوضع دستور توافقي بعيد عن المغالبة».
واختتم البيان بدعوة جميع الأطراف إلى «قبول المبادرة وعدم الالتفاف عليها أو تفريغها بالانتقائية التي أفسدت كل التسويات السياسية في ليبيا».
البرلمان في مواجهة حفتر
مع توالي هزائم حفتر في الغرب الليبي، أعلن صالح نهاية أبريل 2020، مقترحاً للتوصل إلى حل سياسي للأزمة، تتمثل أبرز بنوده في إعادة تشكيل مجلس رئاسي من 3 أعضاء بدل 9، بحيث يختار كل إقليم ممثله في المجلس بالتوافق أو الانتخاب، وتحت إشراف أممي.
عقب ذلك مباشرة، أعلن حفتر تنصيب نفسه حاكماً على البلاد، وإسقاط اتفاق الصخيرات السياسي، ما مثّل انقلاباً جديداً له، لكن كان المتضرر الأكبر هذه المرة، مجلس نواب طبرق ورئيسه صالح، أكبر داعم سياسي له.
يعود اتفاق الصخيرات إلى ديسمبر 2015، عندما وقعت الأطراف الليبية اتفاقاً سياسياً في مدينة الصخيرات المغربية، وأنتج تشكيل مجلس رئاسي يقود حكومة الوفاق، إضافة إلى التمديد لمجلس النواب، وإنشاء مجلس أعلى للدولة، لكن حفتر سعى طوال سنوات إلى تعطيله وإسقاطه.
لم يتمكن حفتر من الإطاحة بمجلس نواب طبرق ورئيسه صالح، الذي كان يُنظر إليه كتابع لحفتر، إذ تحصن الأخير بقبيلته (العبيدات، كبرى قبائل الشرق)، وأشهر في وجه الجنرال ورقة الدعم الدولي.
يأتي ذلك بينما تتواصل هزائم قوات حفتر، جراء تلقيها ضربات قاسية في كافة مدن الساحل الغربي وصولاً إلى الحدود مع تونس، إضافة إلى قاعدة «الوطية» الاستراتيجية (غرب)، وبلدتي بدر وتيجي، ومدينة الأصابعة بالجبل الغربي (جنوب غرب طرابلس).
يُشار إلى أنه وبدعم من دول عربية وأوروبية، تشن قوات حفتر منذ 4 أبريل 2019 هجوماً متعثراً للسيطرة على طرابلس، مقر حكومة الوفاق، ما أسقط قتلى وجرحى بين المدنيين، إلى جانب أضرار مادية واسعة.
وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو حث الجمعة على وقف إطلاق النار.
وقالت وزارة الخارجية في بيان إن بومبيو والسراج «شددا على أهمية الوقف الفوري للقتال والعودة إلى الحوار السياسي».
وشن حفتر المدعوم من مصر والإمارات والسعودية، هجوما في أبريل عام 2019 للاستيلاء على طرابلس أسفر عن مقتل المئات.
كما أظهر تقرير للأمم المتحدة حول حظر دخول السلاح إلى ليبيا دعما لحفتر من قبل مرتزقة تابعين لشركة أمنية روسية ينظر إليها على أنها مقرّبة من الرئيس فلاديمير بوتين.
ودعت بريطانيا والولايات المتحدة الثلاثاء روسيا لوقف تورطها في النزاع في ليبيا بعدما أكد تقرير للأمم المتحدة مؤخرا وجود مرتزقة روس وسوريين في هذا البلد.
وخلال مؤتمر عبر الفيديو لمجلس الأمن نفت روسيا مجددا أي دور لها في مشاركة مرتزقة روس في المعارك ووصفت التقرير الأممي بأنه غير موثوق به.
وأعلن السفير البريطاني جوناثان آلن «نشعر بقلق كبير حيال المعلومات عن استمرار جهات خارجية في إرسال عتاد ومرتزقة» إلى ليبيا.
وأضاف أن «أنشطة مجموعة فاغنر الروسية الخاصة تستمر في تأجيج النزاع وتطيل معاناة الشعب الليبي. وأود أن أدعو جميع أعضاء مجلس الأمن لتطبيق قراراته التي صوتوا بأنفسهم عليها»، في إشارة إلى حظر الأسلحة إلى ليبيا منذ 2011.
وطالبت السفيرة الأميركية كيلي كرافت أيضا «كافة اطراف النزاع الليبي بان يوقفوا فورا أنشطتهم العسكرية». وتابعت: «عليهم وقف نقل المعدات العسكرية والمرتزقة الأجانب إلى ليبيا (...) بمن فيهم مرتزقة مجموعة فاغنر».
ورد نظيرها الروسي فاسيلي نيبينزيا بالقول «نرى الكثير من التكهنات حول مرتزقة روس مفترضين».
وكانت الرئيسة بالإنابة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني ويليامز أبلغت مجلس الأمن سابقا ان الأمم المتحدة لا تزال «تشهد على تعزيزات عسكرية خطيرة».
وقالت إن هذه التعزيزات ناجمة عن «إرسال دول أجنبية بدون توقف لأسلحة أكثر تطورا وفتكا ناهيك عن تجنيد مزيد من المرتزقة. والتقرير الأممي السري وضعه خبراء أمميون يراقبون حظر الأسلحة إلى ليبيا. ويؤكد التقرير وجود مرتزقة من مجموعة فاغنر ويكشف وجود مقاتلين سوريين أتوا من دمشق لدعم خليفة حفتر.
وأعلن الجيش الليبي رصده صباح الأحد هبوط طائرتي شحن عسكريتين في مطار بني وليد (غرب)، للشروع في نقل مرتزقة شركة فاغنر الروسية، الذين فروا من محاور القتال بجنوبي العاصمة طرابلس.
جاء ذلك في بيان نشره المكتب الإعلامي لعملية «بركان الغضب» التابع للجيش الحكومي، مساء الأحد، بصفحته الرسمية على موقع فيسبوك.
وأضاف البيان أن مرتزقة فاغنر تم «نقلهم إلى وجهة غير معلومة» حتى الساعة 19:30 بتوقيت غرينتش.
وفي ذات السياق، نقل البيان، تصريح صحفي لعميد بلدية بني وليد، سالم نوير، قدّر فيها عدد المرتزقة الذين وصلوا إلى المدينة قادمين من طرابلس ما بين 1500 إلى 1600.
وفي وقت سابق الأحد، قال نوير لقناة «ليبيا الأحرار» (خاصة)، إن مرتزقة روس غادروا مطار بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس) عبر 3 رحلات، إثر انسحابهم من جنوبي العاصمة، وأنها «ما زالت مستمرة».
وأوضح نوير أنه بعد وصول منظومات الدفاع الجوي (لم يحدد عددها) للمدينة، منح مشايخ (أعيان) بني وليد، مهلة لميليشيا الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، لمغادرتها وإلا سيتم الهجوم عليهم داخل مطار المدينة.
جدير بالذكر أن بني وليد، التي تعد مركزا لأحد أكبر القبائل الليبية (الورفلة)، يرفض أعيانها ومجلسها البلدي دعم العدوان الذي يشنه حفتر على طرابلس، منذ أكثر من سنة.
لكن عددا من كتائب بني وليد انحازت لحفتر، وتولت حماية مطار المدينة لصالح مليشياته والمرتزقة الأجانب، وتأمين طريق الإمداد الرئيسي الرابط بين قاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس) وترهونة.
وتمكن الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية، الجمعة والسبت، من السيطرة على محاور قتال ومعسكرات استراتيجية جنوبي طرابلس بينها معسكري حمزة واليرموك. وتواصل ميليشيا حفتر تكبد خسائر فادحة؛ جراء تلقيها ضربات قاسية في كافة مدن الساحل الغربي وصولًا إلى الحدود مع تونس، إضافة إلى قاعدة «الوطية» الاستراتيجية (غرب)، وبلدتي بدر وتيجي ومدينة الأصابعة بالجبل الغربي (جنوب غرب طرابلس).
وبدعم من دول عربية وأوروبية، تشن ميليشيا حفتر منذ 4 أبريل 2019 هجومًا متعثرًا للسيطرة على طرابلس، مقر الحكومة المعترف بها دوليًا؛ ما أسقط قتلى وجرحى بين المدنيين، بجانب أضرار مادية واسعة.
ويرجع بعض الخبراء العسكريين نجاحات حكومة الوفاق الشرعية إلى التفوق الجوي الساحق الذي حظيت به قواتها والتي مهدت لانتصارات كبيرة على الأرض. هذه السيطرة الجوية نشأت في الأساس من الطائرات المسيرة التي أمدت بها تركيا حكومة الوفاق، ما نتج عنه دفع قوات حفتر حتى حدود ترهونة - رأس حربة الهجوم على طرابلس - والتي سيطرت فيها قوات الوفاق على معسكر اللواء التاسع بمنطقة الحواتم وتمكن من أسر عدد كبير من قوات حفتر.
كما استمرت هجمات حكومة الوفاق على عدة محاور في ترهونة بهدف قطع الإمدادات عن قوات حفتر، وهي الاستراتيجية التي نجحت الطائرات المسيرة في تنفيذها إلى حد بعيد، ما جعل قوات الوفاق قادرة بشكل أكبر على مد سيطرتها على الأرض وإجبار حفترعلى التراجع.
يتفق مع هذه الرؤية محمد هنيد، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة السوربون ومعهد باريس للعلوم السياسية والمستشار السابق لرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، إذ يقول إن «حكومة الوفاق كانت لا تملك الجو والذي كان يسيطر عليه حفتر بفضل الطيران المصري والإماراتي، الأمر الذي كان يمنع قوات حكومة الوفاق من التقدم على الأرض المفتوحة والتي كانت إذا خرجت من معاقلها في طرابلس وأماكن تمركزها تتعرض لقصف حاد».
ويضيف هنيد أنه «الآن ومع دخول القوات التركية على الخط والإسناد الذي وصل إلى حكومة الوفاق بفضل اتفاقية الدفاع المشترك الموقع مع تركيا صارت تلك القوات أيضاً تمتلك الجو وقادرة على التهديد وهذا ما سرع بشدة من وتيرة الهزائم التي تعرض لها حفتر بشكل متلاحق».
واستراتيجياً، يعتقد هنيد الخبير في الشأن الليبي أن حفتر لا يمكنه القدرة فعلياً على السيطرة على المناطق التي سيطر في الغرب الليبي شديد الاتساع «وكل ما لديه هي نقاط تمركز وسط هذه المساحات الكبيرة مثل قاعدة الوطية والعجيلات وصرمان وصبراته لهذا وقعت هزائمه بهذا الشكل السريع».
غضب القبائل الليبية.. هل يغير موازين القوى؟
وقد يمهد نجاح هجمات حكومة الوفاق على ترهونة -أحد أهم معاقل حفتر في غرب ليبيا- لنجاحات أخرى منها قطع خطوط الإمداد عن قواته في الجنوب، لكن الأهم أنه تسبب في خلاف حاد بين القبائل وخصوصاً قبائل الشرق.
فالخسائر المتتالية لقوات حفتر راح ضحيتها مئات من شباب قبائل الشرق، تلك الخسائر في الأرواح رافقها إحساس بالغدر والخيانة من جانب حفتر الذي فوض نفسه لإدارة شؤون البلاد متجاوزاً بذلك كافة الزعامات والقيادات القبلية الليبية الداعمة له.
وربما يكون ذلك ما دفع عدد من تلك القبائل لإعلان دعم ومساندة حكومة الوفاق
في هذا الصدد يقول هنيد، إن أغلب القبائل الليبية فرضت عليها هذه الحرب فرضاً، «فالليبيون تخلصوا من القذافي وكانوا ينتظرون إقامة دولة مؤسسات ديمقراطية في دولة مدنية لكن تدخل فاعلون إقليميون ودوليون كقطر والإمارات والسعودية ومصر وفرنسا وإيطاليا ومؤخراً تركيا، فصار هناك صراع داخلي بأجندات خارجية وهناك قوى داعمة لحكومة الوفاق وهناك دول داعمة لمشروع حفتر ووجدت تلك القبائل نفسها وقد فرض عليها هذا الاقتتال».
ويضيف الخبير في الشأن الليبي أن الانشقاقات في معسكر حفتر والقبائل الموالية له طبيعية «لأن حفتر فرض عليهم الولاء والطاعة غصباً بالسلاح لذا وقعت تلك الانشقاقات في أماكن عديدة منها بنغازي، ورأت تلك القبائل ما فعلته قوات حفتر في الناس وخاصة فرقة المداخلة وهي فرقة شديدة الأهمية في مكونات قواته». وأضاف هنيد أن تلك الفرقة «هي أكثر الفرق توحشاً وتطرفاً في ليبيا والتي تعتمد مبدأ الولاء للحاكم المتغلب أيا كانت أفعاله وقد تسببت في فزع الكثيرين من ليبيا من نجاح مشروع حفتر».
خلافات تضرب معسكر داعمي حفتر
ويبدو أن جبهة داعمي حفتر تهتز الآن بشدة، فالسعودية على سبيل المثال غارقة تماماً في أزمتها الاقتصادية الناشئة عن تهاوي أسعار البترول عالمياً وهي الدولة التي تعتمد جُل ميزانيتها على النفط، ناهيك عما تعانيه من تبعات حربها في اليمن التي خسرت على إثرها سياسياً واقتصادياً الكثير من وزنها الأقليمي والدولي.
هناك أيضاً غضب روسي مكتوم تحدثت عنه مصادر مختلفة في الكرملين تصاعد بعد إعلان حفتر نقضه لاتفاق الصخيرات من طرف واحد وقبوله ما زعم بأنه «تفويض شعبي» لإدارة شؤون ليبيا وهي الخطوة التي قالت عنها روسيا إنها فوجئت بها.
أما مصر التي تدعم حفتر بشدة سياسياً وعسكرياً فيبدو أنها أيضاً قد بدأت تغير من موقفها، خاصة مع تزايد احتمالات أن ينشا عن ما يفعله حفتر أن تقسم ليبيا إلى دولتين كما أنها لا تريد أبداً أن تكون طرفاً في حرب مباشرة مع تركيا على الأراضي الليبية.
ويعتقد محمد هنيد، الخبير في الشأن الليبي، أنه من الصعب للغاية تصور استمرار دعم الدول المساندة لحفتر في تقديم المعونة له «فتأثير جائحة كورونا على مسار الأحداث أصبح أوضح من أي وقت مضى بجانب انهيار أسعار النفط». ويضيف أن «مصر مثلاً رفضت التدخل عسكرياً في ليبيا لأنها لا تريد الصدام مع تركيا، والدول العربية الأخرى لديها مشكلات اقتصادية، ودول أوروبا لديها أزمة كورونا المتصاعدة وكل هذه أمور تمهد لفشل مشروع حفتر الذي كان يراد له أن يكون على منوال النموذج المصري».
وينهي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة السوربون كلامه بالقول: «علينا أن نعرف أيضاً أن كامل المشهد المغاربي هو ضد مشروع حفتر بشكل أساسي، لذا فالحديث عن مواصلة هذه الحرب أمر عبثي، علماً أن القبائل صار لديها يقين بفشل مشروع حفتر الذي يرون أنه يعمل لصالح أجندات أجنبية».
copy short url   نسخ
26/05/2020
645