قد تكون المسافة بين الخرافة والحقيقة ليست كما نظن طويلة، ومستعصية.

وقد لا نحتاج لكي نحول الحقيقة إلى خرافة سوى أن نكذب ونكذب ثم نلبسها هالة بأضواء اصطناعية، ونحركها بخيوط يمسك أطرافها تاجر، أو شاعر، أو منتج أفلام سينمائية، ومسلسلات تليفزيونية، أو حتى كاتب امتهن الكتابة من أجلهم.

الحب كعاطفة بشرية جعل منها البشر اليوم أسطورة وخرافة تم تجييرها، وتسييسها، واستخدامها كمادة خام للكثير من الصناعات، والحرف فأخذت زخماً لا يناسب حقيقتها، وحجماً لا يطابق قالبها. حتى أصبحت كأنها القضية القومية للبشرية، والمعاناة الأصعب لجنس بني آدم، بينما الحب في الأصل عاطفة إنسانية فطرية كسِواها يميزها ذلك الحس الناعم من الشعور بالراحة.. والفرح الذي يحلق بالنفوس بعيداً كأنما أوتينا في البدء جناحان يأخذاننا إلى نهاية الطريق.

وما خلق الله عز وجل شيئاً إلا وله حكمة بالغة، وهدف عظيم.. كذلك الحب الذي هو بمثابة الغراء، أو المذيب العاطفي الذي يقرب النفوس المتنافرة، ويذيب الحدود بين القلوب المتحابة فيكون الزواج، وتكون الأمومة، والأبوة، وكل روابط الصداقة، والروح.

ثم ما يلبث أن يصبح مودة، ورحمة، وألفة مستقرة لا نجد فيها حرارة تلك الانفعالات القوية حين كان الحب في بدايته، فيظن البعض أنه فقد ذلك الحب بانفعالاته الجميلة التي كانت تحرك ركود حياته، بينما هو الحب كامن في كل ما سبق بلا ذلك الاشتعال الذي كنا نحتاجه في البداية.

لكن صناع العصر في أيامنا هذه جعلوا من الحب كأي شي أصبح للاستهلاك والعلامات التجارية، فصنعوا منه خرافة حتى تروج سلعته.


وخرجت من رحم الأشعار والأغنيات والألحان والقصص التي كانت تمثل الحب ببساطته قديماً تجارة معقدة راجت بلا حدود لأنها تجلب المال والشهرة، وكل ما يسيل له لعاب الناس هذه الأيام، تجارة فرخت ألف تجارة وتجارة.

جعلت من الحب سلعة رخيصة حين تغنى بها كل من شرعوا سنن الابتذال والعري، وما يخالف الفطرة السليمة، وكل شرائع الأخلاق.

بل وحتى اليوم الذي جعلوه للحب جاؤوا به من رحم أسطورة ساقطة ليس من أجل الحب، بل من أجل تجارة حمراء تروج في هذا اليوم، وتدر أرباحاً كثيرة.

ومن كل ذلك تحول الحب إلى خرافة أو مخلوق أسطوري يثير الرغبة في الاكتشاف والتجربة، والتمتع بوهج الحياة في مقلتيه كما سوق لذلك رواد هذه التجارة، مُعقّدٌ ناقصّ من لم يعشه، وكأنما فقد ذراعاً، أو بترت إحدى ساقيه، بمعنى أنهم خلقوا للبشرية معاناة مضافة لا أصل لها.. كانت مما وجه أبصارهم بعيداً عن ما يعد معاناة بشرية حقيقية.

ربما أصبحنا نحتاج إلى تدريس أبنائنا منهجاً في الحب بواقعية؛ حتى لا يسقطوا ضحايا لهذه الخرافة ولكل صرعات الابتذال والسقوط التي تبعتها.



بقلم : مها محمد