+ A
A -
لا تقدم لنا وسائل الإعلام ولا تصريحات المسؤولين من كل الأطراف المعنية بالأزمة اليمنية أسباباً حقيقية عن فشل المحاولات المتكررة للتوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة بالكامل، فقط هناك مقولة واحدة تتحدث دائماً عن تعنت الحوثيين ومن ثم تحميلهم أسباب الفشل.
وللحق فإنها مقولة صحيحة إلى حد كبير، ولكنها ليست سبباً، وإنما نتيجة للسبب الرئيس المسكوت عنه، وهو عدم التوصل حتى الآن لصيغة مقبولة من كل الأطراف اليمنية لتقاسم السلطة.
عندما انتهت مهمة جمال بن عمر (مغربى)، أول مبعوث أممي للوساطة بين اليمنيين في أواخر أبريل 2015 كاشف الرجل مجلس الأمن بخبايا الأزمة وأسباب فشل مهمته، لم يوجه اتهاماً بالتقصير لأي أحد من الأطراف المعنية، وأرجع الأسباب إلى أخطاء متراكمة وحسابات خاطئة من كل الأطراف المعنية، ولكنه قال «إن الأطراف اليمنية كانت قاب قوسين أو أدنى من إبرام اتفاق سياسي نتيجة حوار امتد أكثر من شهرين عشية إطلاق «عاصفة الحزم».. تعمد استمرار القتال على الأرض وإطلاق «عاصفة الحزم» جعلا من غير الممكن مواصلة الحوار.. لقد تم التوصل إلى اتفاق سياسي على العناصر الجوهرية لاتفاق تقاسم السلطة قبل تصاعد الصراع مع انطلاق الحرب..».
ولا يفهم من كلام بن عمر أنه نجح فعلاً في التوصل إلى اتفاق حول تقاسم السلطة، وإنما فقط الاقتراب جداً من ذلك، ومع ذلك تظل إشارة بن عمر إلى أهمية التوصل إلى صيغة مقبولة لتقاسم السلطة صحيحة، وذلك بوصفها جوهر الأزمة.
كانت المبادرة الخليجية قد وضعت خطة طريق جيدة جداً، وقد تحدثت عن مبدأ المشاركة لا عن تقاسم للسلطة، وعن تحقيق الانتقال السياسي عبر الوسائل الديمقراطية المعروفة، وبناء عليها جرت عملية حوار وطني، وانتظر الحوثيون تفعيل مخرجات الحوار، ولكن حكومة عبدربه منصور هادي تباطأت في التنفيذ لأسباب غير مفهومة.
ذهب بن عمر وجاء مبعوث أممي جديد هو إسماعيل ولد الشيخ «موريتاني» له دراية بالشأن اليمنى أكثر من سلفه وعقدت عليه الآمال في تقريب المسافات بين الفرقاء اليمنيين. وبعد وقت طويل من التفاوض طرح ولد الشيخ ما وجده مشروعاً للحل السياسي تضمن إنشاء لجنة عسكرية وأمنية وطنية بجانب لجان مشابهة على مستوى المحافظات، تتكون كلها من ضباط عسكريين وأمنيين رفيعي المستوى يتمتعون بالكفاءة والمهنية ومقبولين لدى الأطراف ولم يشاركوا بشكل مباشر في العمليات العسكرية منذ سبتمبر 2014. مهمة هذه اللجان تنفيذ الإجراءات الأمنية الانتقالية، كما تضمن المشروع عودة مؤسسات الدولة للعمل واحترام الأوضاع القانونية، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، وأخيراً العمل على التوصل إلى الاتفاق السياسي مع وضع آليات وطنية ودولية للمتابعة وضمان التنفيذ.
الحكومة قبلت مشروع ولد الشيخ بينما رفضه الفريق المفاوض من الحوثيين، وفى الوقت نفسه كان الحوثيون وصالح قد أعلنوا قيام مجلس سياسي يحكم البلاد بينهم بالتبادل، ومثل هذا وذاك يشكل تحدياً صارخاً لكل مبادرات الحل السياسي والمرجعيات المعتمدة عليها، سواء المبادرة الخليجية أو قرارات مجلس الأمن، ثم جمعوا البرلمان لإضفاء الشرعية على هذا الانقلاب السياسي.
ومن المنطقي أن تتجدد العمليات العسكرية بعد هذه التطورات المتعارضة تماماً مع طبيعة الحل السياسي، وما ذلك إلا نتيجة غض البصر عن حسم مسألة تقاسم السلطة باعتبارها الأصل وغيرها الفرع. هل يتم القبول بها كأمر واقع وليس العمل بمبدأ المشاركة، وهل يتعين تفصيل المقصود بتقاسم السلطة شأن كل المجتمعات المجزأة عرقياً أو قبلياً أو مذهبياً، أم يطرح الأمر جانباً ويمضي العمل بمبدأ المشاركة فقط حتى لو تطلب ذلك مزيداً من الحسم العسكري؟
المؤشرات تقول إن المشهد يتشكل وفقاً للخيار الثاني ولكن بتكلفة عالية جداً مادياً وعسكرياً، بينما لا أحد يناقش الخيار الأول، رغم أنه أقل تكلفة من حيث المبدأ وأكثر ضماناً للاستقرار، فضلاً عن كونه موجوداً على مستوى الواقع!

بقلم : عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
27/08/2016
2868