+ A
A -

وليس الحبيب من يودك بمكافأة حين الوصل، بل المحبّ من يصطبر على غلظتك عند القطيعة.

فيمكنك اكتشاف مقدار محبة صديق لك بمقدار ما خصك من استِثنَاءات.

بمقدار ما غض الطرف عندما أهملت أو تجاهلت.

بكيف برر لك في نفسه، حين أسأت له أمام الجميع.

بمقدار ما سترك حين فضحت.

بمقدار ما صمت كي لا ينفجر رغم قوة حنجرته.

بعدد المرات التي أقبل فيها عليك، حين عنه أشحت.

بتعمده أن يقهقه ولو وحده على نكتك القديمة منعًا لإحراجك حين لاحظ صمت الجميع، أما من يريد وجودك للتسلية ويشارك الجمع ضحكاتهم على طرائفك، فقد تعاطى معك كمهرج.

فالآباء الأسوياء يتحملون الابن «الضنى» رغم أنه يضنيهم ويبكيهم.

رغم نزقه وأخطائه، لا لكونه ابنًا مثاليًا بلا أخطاء أو لكونه مسؤولية هينة، فطيش الضنى ورعونته لا يزحزحان مكانته في قلوب آبائه مثقال ذرة مهما نز القلب من أنين.

قال لها زوجها مشيراً لبرنامج تقدمه إعلامية شهيرة: هذه المذيعة تطري زوجها علناً ولا تنطق اسمه إلا ويسبقه لقب «النبيل علاء».

فسألته: أيهما تقدر زوجها أكثر، من تحبه لأنه نبيل لا ينطق فحشاً، أم من تهواه بصرف النظر عن نبله أو وضاعته؟

من تشيد بصوابياته أم من تختلق له الأعذار رغم أخطائه؟

من تمتدح عطاءه أم من عاشت معه منح أم منع؟

من تثني عليه لأنه يخرج معها للسينما، أم من سعدت بمتابعة فيلم قديم شاهدته عشرات المرات، لكنها حينما تعيد مشاهدته للمرة المائة مع زوجها - وبدون فشار- تسعد .

من تحبه لأنه كارثي الوسامة، أم من تراه بشعر أو بدون، كارثي الجاذبية؟

من تطريه لأنه يجعلها تلف العالم بطائرة خاصة، أم من تجلس على ضفاف بحيرة «كومو» بلومبارديا بشمال ايطاليا، فتتوق لجلسة بصحبته بغرفة المعيشة ولو بالغربة مع كعكة براوني أو بدون، كونها تشعر أن حضنه وطن؟

البعض يحب لأن الشريك يخدم أجندته.

لكن هناك من يهيم رغم أنه لم يربط علاقته بالشريك بأي أجندة أساسًا؟

- كم أحببت والدي لخصاله العظيمة وكم شعرت بالفخر كلما تأملت نياشينه أو كلما سرد لي أصدقاؤه بطولاته في الحروب التي خاضها كونه كان يعمل طيارًا حربيًا.

لكني لم أكن لأكون أقل فخراً لو كنت ابنة سائق تاكسي، كما لن أكون أشد تيهاً به لو كان رائدًا للفضاء.

بل لقد تيقنت بعمق محبتي لوالدي رغم ما تحملت منه من شدة، بأكثر من شعوري بحبي له جراء ما أسدى لي من فضائل.

لقد أحببته رغمًا أن، أكثر بكثير من حبي له، لأن.

-كلنا يحب وطنه، ولا يغيب عن أحد أن مصرنا من أقدم الدول في التاريخ، وأستطيع سرد مفاخر الأسر الثلاثين والحضارة ذات السبعة آلاف سنة عدا عبقرية المكان لوطني، لكن أزعم أن حبي لمصر لا دخل له بعراقة تاريخها ولا بأسبقيتها الحضارية ولا بريادتها أو بسائر تلك المفاخر، فلو كنت ابنة أي دولة من أدغال افريقيا، لكنت سأحب موطني بغض النظر عن جغرافيته، تاريخه أو بسالة شعبه أو قوة عملته أو عدد انتصاراته.

فحبي لوطني مرده لكونه بلد المنشأ وتاريخ ذكرياتي، أكثر من أي شيء آخر، أحببته في سلمه وفي حروبه، وتعاطفت معه إبان نكساته أكثر مما أحببته لانتصاراته، بدليل أن مصرنا اليوم ليست في أزهى عصورها، ومع هذا فإنني أهيم شوقًا بها وأشعر أن غربتي عنها عقوبة.داليا الحديدي

كاتبة مصرية

copy short url   نسخ
01/10/2022
35