+ A
A -

تضمن تقرير ديوان المحاسبة الليبي الذي يغطي العام 2021م استدراكات كثيرة جدا تتعلق بإدارة المال العام وأداء القطاعات المختلفة في الدولة، ولقد تفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي بحيوية مع مضامين التقرير، وكذا القنوات الفضائية، حتى إن اجتماع حكومة الوحدة الوطنية بخصوص الرد على ما ورد في التقرير كان طريفا في مداولاته متأثرا بردود الفعل على تقرير ديوان المحاسبة والحالة التي امتزج فيها السخط والسخرية بين الليبيين بشكل يحاكي الكوميديا السوداء.

ويتعذر أن نقف على الخروقات والتجاوزات التي تضمنها التقرير في هذه السانحة القصيرة، لذا سنركز هنا على الموقف من الميزانية العامة في شقيها الإيرادات والنفقات، وما في حكمهما، دون التطرق إلى القطاعات التي تناولها التقرير في ثمانية عشر فصلا وما يقرب من ألف صفحة.

التقرير أكد أن الإيرادات العامة تجاوزت الرقم المتداول في بيانات المصرف المركزي والحكومة وهو 105 مليارات دينار ليبي (الدينار يعادل 4.9 دولار)، والذي هو بالفعل الرقم الأكبر في تاريخ المالية العامة منذ استقلال البلاد، بل إن إجماليها يتجاوز الـ122 مليار دينار ليبي، بعد أن أظهر التقرير أن ما قيمته 16 مليار دينار من النفط الخام تم استخلافها بمحروقات بقرار من المؤسسة الوطنية، خارج نطاق صلاحياتها ومسؤولياتها، دون أن تدرج ضمن الإيرادات، ولا في بند النفقات التي بلغت ما يزيد على الـ100 مليار دينار ليبي وليس 86 مليارا كما أظهرتها بيانات وزارة المالية والمصرف المركزي.

التقرير ذكر أن مؤسسة النفط، وبالمخالفة للقانون المالي للدولة، تورطت في الاحتفاط بنحو 2.5 مليار دولار ولم تحيلها إلى حساب وزارة المالية في المصرف المركزي كما تقاعست في تحصيل ما يزيد على الـ10 مليارات دينار ليبي وهي أتاوات وضرائب على الشركات العاملة في قطاع النفط.

الإيرادات غير المسبوقة في قيمتها تضخمت بسبب قرار المصرف المركزي الليبي تخفيض قيمة الدينار الليبي في يناير 2021م أمام الدولار من 1.34 دينار للدولار إلى 4.45، وتعاطيا مع أثر التغيير في سعر صرف الدينار الليبي، فقد بلغت الزيادة في أصول المصرف المركزي بعد إعادة تقييمها وفقا لسعر الصرف الجديد ما يزيد على الـ241 مليار دينار، أي ما يعادل الـ50 مليار دولار أميركي وزيادة، وهو ما لا يمكن توقعه في ظل معطيات المالية العامة للعام 2021م، وبالقطع الأعوام التي خلت، خاصة أن التقرير يؤكد أن الاحتياطي النقدي استنزف بما مقداره 50 مليار دينار ليبي حتى نهاية العام 2021م.

الأبواب الخمسة للميزانية العامة في جانب النفقات تعكس الاختلال الكبير الذي يعانية الاقتصاد الليبي، فقد بلغت المرتبات 33 مليار دينار ليبي تصرف لما يزيد على المليونين يعملون في الجهاز الحكومي في مقابل أقل من 700 ألف في تونس التي يبلغ تعداد سكانها قرابة ضعف تعداد الليبيين وأقل من مليون في المغرب التي يتجاوز سكانها أربعة أضعاف سكان ليبيا، ومخصصات المرتبات مرشحة للزيادة العام 2022م والأعوام التي تليه.

باب الدعم سجل رقما غير مسبوق أيضا بلغ بحسب تقرير الديوان قرابة الـ37 مليار دينار ليبي وليس 21 مليارا كما يظهر في حسابات الحكومة والمصرف المركزي، والفارق هو قيمة استبدال النفط بالمحروقات (أهم بند في باب الدعم) والتي بلغت 16 مليار دينار.

باب التنمية سجل إنفاقا تخطى الـ 17 مليار دينار ليبي قال التقرير إنه إنفاق وقع بالمخالفة لقانون التخطيط رقم 13 للعام 2000م والذي يلزم الحكومة بأن تضع خطة تنموية تتضمن مشروعات توضع وفق أولوية ودراسات جدوى، حيث إن أيا من ذلك لم يقع، والرقم كبير إذا تمت مقارنته بمخصصات التنمية للسنوات الماضية والتي بلغت على سبيل المثال العام 2020م، 1.8 مليار دينار ليبي فقط.

باب الطوارئ الذي استحدث خلال السنوات القليلة الماضية بلغ إجمالي نفقاته 6.5 مليار دينار ليبي تقريبا للعام 2021م، بالمقارنة بـ 3.5 مليار دينار العام 2020م، ولأن الحالات الطارئة وفق القانون الليبي هي المستجدة التي لا تحتمل التأخير في معالجتها فالمفترض أن يقتصر الصرف منه على الظروف الاستثنائية مثل جائحة كورونا وما في حكمها، وبالنظر إلى تفاصيل نفقات الطوارئ فقد شملت كل أو جل القطاعات دون مسوغ أو ضابط، فما هو الطارئ الذي يدفع إلى إنفاق ديوان رئاسة الوزراء قرابة 600 مليون دينار ليبي، وما هو مبرر تخصيص 130 مليونا للمجلس الرئاسي و50 مليون دينار للمجلس الأعلى للدولة من باب الطوارئ، وقس على ذلك الدفاع والداخلية اللذين خصص لهما نحو 1.8 مليار دينار حيث لا حرب ولا مواجهات، مع التنبيه إلى أنها جميعها تحصلت على مخصصاتها من الميزانية العامة كاملة.

السؤال الذي كان الأبرز بين تعقيبات الليبيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو: ماذا بعد التقرير؟

الإجابات في الأغلب الأعم أن شيئا لن يقع لوقف هذا الهدر الكبير في المال العام، وهو يقرأون عن مليارات تنفق ولا أثر ملموسا لها.

تقرير الديوان الذي من المفترض أن يكون مادة عمل مجلس النواب ليحاسب على أساسه الحكومة لن يكون ذا جدوى في هذا المسار، فالبرلمان لا يعترف بالديوان ولا الحكومة، وبالتالي فإن الإجراء التنفيذي الوحيد هو تحرك النائب العام للتقصي والتحقيق، ولا أعتقد أن متابعة أو تقصيا من النائب ستكون واسعة وحازمة، وعليه فإن الفائدة تقتصر على تفاعل الرأي العام وأثره الذي ظهر بشكل مباشر في ردة فعل الحكومة في اجتماعها بالخصوص.عربي 21

copy short url   نسخ
26/09/2022
20