+ A
A -

يعتبر التقدم الاقتصادي القائم على التقدم العلمي والتقني أحد السمات البارزة لعصر التكنولوجيا، هذا الذي تتغير فيه حياة الناس بوتيرة سريعة، تبعا لسرعة التغير الذي يحدثه العلم الحديث، وهذه السرعة في التغير وتنوع النماذج الاقتصادية توشك ألا تدع مجالا لـ «رأس المال الجبان» كي يقف حجر عثرة في سبيل النهوض والتطور الذي يشمل كل شيء، بما في ذلك التجارة والصناعة والأفكار والأدوات والآلات والأجهزة التي تحيط بنا وتعج بها بيوتنا ومكاتبنا ومصانعنا ومتاجرنا، وتفسح في المقابل المجال واسعا أمام رأس المال المغامر أو الجريء، كي تمكنه من أداء دور مناسب في التنمية المستدامة، فهو من الضرورة بمكان للدول التي تشجع على ريادة الأعمال وإقامة المشاريع في مجالات جديدة غير تقليدية، رغبة في اللحاق بركب التحول الرقمي، وخلق اقتصاد يلائم ظواهر هذا العصر في الدول المتقدمة.

ربما لم يقف عامة الناس حتى الآن على مفهوم مصطلح رأس المال المغامر أو الجريء بقدر ما وقفوا على مفهوم المصطلح المقابل أعني رأس المال الجبان، ولم يعد من المناسب غياب هذا المصطلح عن التداول، بينما الدول قاطبة أخذت توليه أهمية بالغة وإن كانت بنسب متفاوتة.

وللتوضيح فإن رأس المال المغامر أو الجريء هو المال الذي يقدمه مستثمرون مغامرون ومجازفون للمساعدة في بناء الشركات الناشئة والصغيرة التي غالباً ما يكون لديها إمكانات نمو واعدة، ولكن في نفس الوقت تحوطها مخاطر كبيرة، جراء منافسة الشركات الكبرى لها، وهذا التمويل يختلف عن التمويل بواسطة القروض، إذ أن المُقرِض له أن يسترد قيمة القرض مع فوائده في تاريخ معلوم سلفا، أما المستثمر المغامر فإن عوائده عبارة عن حصة في الشركة، له أن يبقي عليها أو يبيعها وقتما شاء عندما تنهض وتحقق أرباحا ترضي طموحاته، ولنضرب على ذلك مثلا في عام 2007 قدمت شركة يونيون سكوير فينتشرز التي أسسها المغامر الشهير الفريد ويلسون تمويلا للشركة الناشئة تويتر بقيمة خمسة ملايين دولار، ومع تحول الشركة للاكتتاب العام سنة 2013 جنت أرباحا قيمتها مليار دولار.

ومن المهم توضيح أن رأس المال الجريء يتم ضخه في الشركات الناشئة من قبل شركات كبرى أو صناديق ومحافظ مالية لا من قبل أفراد، فرأس المال الذي يضخه الأفراد يسمَّى رأس المال أو الاستثمار الملائكي، والمستثمر هنا رجل ثري – وليس مؤسسة - يقدم تمويلا للشركة الناشئة، واصْطُلِح على تسميته بالمستثمر الملاك، وقد تكون هذه المصطلحات غريبة على مسامع القراء لكنها بالفعل مصطلحات اقتصادية علمية راسخة ومعروفة في دنيا المال والأعمال.

نتطلع أن ينمو رأس المال الجريء والمغامر عندنا في قطر، فمناخ الاستثمار المحلي في أفضل حالاته حاليا، والشواهد تؤكد عدم وجود المخاطر، وتجذب المستثمر المغامر، وتوفر له فرص النجاح، طالما كان جادا، فضلا عن وجود عقول نيرة وشباب لديهم أفكار خلاقة، وطموحات لا سقف لها وعزيمة لا تلين، وقد لمع كثير منهم خلال البرامج التي تلقي الضوء على المخترعين والنوابغ مثل نجوم العلوم، أو من خلال ورش النادي العلمي، ففي دول الغرب يبحث المستثمرون المغامرون عن الطلاب المجدين الذين لديهم أفكار جديدة ومشاريع غير تقليدية لتمويلها.

ومما لا شك فيه أن بطولة كأس العالم 2022 تفتح آفاقا رحبة أمام الطامحين في التجارة والصناعة، وتشجع رأس المال الجريء على النمو، فزخم البطولة ووهجها لن يخبو بمجرد إسدال الستار على المنافسات، ولكن سيظل الألق قائما على الأقل أربع سنوات حتى موعد البطولة التالية.

وبما أن لغة الأرقام تعد مؤشر قياس دقيق فها هي تؤكد أن قطر تحتل مرتبة متقدمة في هذا المجال، فخلال الفترة من 2016 إلى 2021 بلغ رأس المال المغامر المستثمر في البلاد 335 مليون ريال تم ضخها في 111 شركة ناشئة بموجب 132 صفقة موفرة ما يقارب 250 فرصة عمل، وتصاعد الأرقام يؤكد أن رأس المال المغامر في قطر يحقق أرباحا كبيرة، ففي سنة 2021 وحدها بلغت قيمة رأس المال المغامر 2،8 مليون ريال مقارنة بسنة 2020 إذ كانت القيمة 1،1 مليون ريال.

ونواصل الحديث بلغة الأرقام ولكن خارج النطاق المحلي، وإنما على مستوى منطقتنا الخليجية والعربية، إذ بلغ رأس المال المغامر العام الماضي 2،6 مليار دولار، وفي الربع الأول وحده من العام الحالي بلغ 870 مليون دولار، وحصلت الشركات الناشئة في السعودية على 304 ملايين دولار، وفي الإمارات على 251 مليون دولار تلتها مصر بـ 150 مليون دولار، وتوزع المتبقي على شركات ناشئة مختلفة في المنطقة.

أهلا برأس المال المغامر فالحياة فرص ومغامرات ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.

copy short url   نسخ
26/09/2022
270