+ A
A -
نجوى إسماعيل صحفية لبنانية
«العقول الأسيرة تلجأ إلى نظرية المؤامرة لأنها الملاذ الأخير للضعفاء، إذا لم تستطع تغيير حياتك الخاصة، فلا بد من وجود قوة كبرى تسيطر على العالم».
هذا ما كتبه الصحفي روجر كوهن في النيويورك تايمز، حول نظريات المؤامرة، وفي الوقت الذي سيتوقف فيه البعض عن قراءة هذا المقال لأنني استشهدت بصحفي أجبني قد يكون «متآمرًا» ضد أصحاب الحق والخير في بلادنا، فإن هذا الوصف يشرح لماذا نؤمن كثيرًا بنظرية المؤامرة ربما أكثر مما نؤمن بحقوقنا الإنسانية!
فنحن ضحايا المؤامرات، بدءاً من تلك اللحظة التي نسقط فيها أرضًا لأننا تعثرنا بحجر على الطريق، فنشتم الحجر ونتهمه بأنه متآمر، وعندما نحصل على تقدير سيئ في الجامعة أو الوظيفة فنتهم الأستاذ والمدير بالتآمر ضدنا، وصولًا إلى القضايا المصيرية في حياتنا، عندما نثور لإحداث تغيير إيجابي في مجتمعاتنا، سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا، فنتهم بأننا متآمرون!
فكل تحرك ثائر هو مؤامرة، وهكذا ترتاح ضمائر منظري المؤامرة لأن العنف والظلم والحرمان في وطننا، تصبح جميعها أمورًا خارجة عن إراداتهم، بل نتاجا لقوى الظلام الشريرة التي تتحكم بنا.
وقائمة نظرات المؤامرة العالمية طويلة جدًا، تتنوع بين عمليات حكومية سرية ومؤامرات قتل، وحجب معلومات خطيرة، فإذا كان موت مايكل جاكسون وانتحار مارلين مونرو مؤامرة، فما بالك بالثورات التي تقلب البلاد رأسًا على عقب؟.
منذ 17 أكتوبر الماضي، انضمت ثورة لبنان إلى قائمة نظريات المؤامرة الكبرى، بعد أن سبقتها ثورات الربيع العربي، وتشكل قطيع مغسول الدماغ- وفقًا لمنظري المؤامرة- تتحكم به قوى أجنبية عدوة، والهدف، هو أنها تطمع بمواردنا الطبيعية، وبالأخص النفط!
إنها إذن مؤامرة من أجل نفط لبنان الذي لم يبصر النور بعد، ونحن إذ نثور ونهتف ونجوع ونمرض وننتحر، فإننا بذلك ننقاد إلى قوى الشر ونخون وطننا، ووفقًا للصحفي جيسي ووكر(الأجنبي المتآمر) نوصف هنا بأننا «العدو الداخلي» المتآمر داخل الأمة، ويا ويلنا لو أثنى العدو الخارجي على أي تحرك لنا، ربما لهدف خبيث، فإن جرمنا يصبح مشهودًا حتى لو كنا من أقوال ذلك العدو أبرياء!
إن منظري المؤامرة هم أصحاب العقول الأسيرة، وهم الضعفاء، بينما الثوار، هم القوى الفاعلة التي يعوّل عليها لبناء مستقبل الأوطان، وللقضاء على الفساد والاستهتار بحقوق الإنسان، الثوار وحدهم سيصنعون القرار لأنهم هم وحدهم الأحرار، وإذا أصررتم على اتهامنا بأننا ضحية للمؤامرات، فنقول لهم: ما أجمل المؤامرات التي تنقذ شعبًا غارقًا في الحرمان، وتعيد له كرامة فقدها في مستنقعات الفساد.
copy short url   نسخ
15/12/2019
2604