+ A
A -
د. يحيى السيد عمر باحث في الاقتصاد السياسي

شهدت دول العالم في الآونة الأخيرة طفرات كبيرة وتغيُّرات ضخمة على كافَّة الأصعدة؛ العلمية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية، انعكست هذه المستجدات على مفهوم الثقافة في العصر الحديث، ودورها في التنمية، وتحوُّلها من فكرة الإنتاج إلى توظيفها في دعم الاقتصاد القومي. ولذلك اهتمت المجتمعات المعاصرة باقتصاد المعرفة وصناعة الإبداع، وأصبحت السياسات الاقتصادية في العالم داعمة للإبداع والفن والثقافة بصورة أوسع؛ بهدف زيادة الإنتاج الثقافي والإبداعي، مما يؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي العام للدول.

إن جوهر الصناعات الثقافية والإبداعية يتمثل في الإبداع البشري الذي يتميز بالقدرة على إنتاج أفكار جديدة تتَّصف بالتفرد والأصالة. من هنا أصبحت الصناعات الثقافية الإبداعية من محفزات التنوع الاقتصادي نظراً لما تشمله من فنون التراث والحِرَف اليدوية وفنون التصميم المختلفة والفنون التشكيلية وصناعة السينما والكتاب والنشر والألعاب الإلكترونية والبرمجيات، وغيرها. وقد باتت الصناعات الثقافية الأسرع نمواً في العالم؛ وقُدِّرت إيراداتها بنحو 2.250 تريليون دولار سنوياً على مستوى العالم، وهو ما أسهم في توفير ما يقرب من 30 مليون وظيفة عالمياً، مع توقعات بوصول مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 10%.

تعتمد الصناعات الثقافية والإبداعية على عدة عناصر، من أهمها: الفكر والإبداع، والابتكار والإنتاج، والتوزيع، والنشر والترويج للمنتجات والخدمات ذات الصلة بالتعبير الإبداعي، وحفظ الإرث الثقافي، والتي يؤثر نموّها وانتشارها إيجاباً على الأجندة الاقتصادية والاجتماعية للدولة.

صناعة الثقافة والفنون عربياً

نظراً لعوائدها المالية الضخمة ودورها في رفع مكانة الأمم والمجتمعات؛ أصبحت صناعة الثقافة والفنون تحظى باهتمام كبير في الآونة الأخيرة بين صُنّاع القرار في كثير من الدول العربية التي تسعى نحو آفاق مستقبلية تتنامى فيها الأبعاد التنموية لتلك الصناعة الثقافية والإبداعية، وتزداد يوماً بعد يوم مكانتها الرفيعة مع تزايد دور الثقافة الإبداعية كقوة دافعة في تعزيز ديناميكية تفاعلها مع كافة الجوانب الاقتصادية.

وإن مواصلة تلك الجهود الوطنية نحو استثمار قوة الثقافة في تنوير العقول ومد جسور الحوار بين الثقافات، وتنمية الاقتصاد الإبداعي سوف تثمر في المستقبل القريب في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وفق رؤية أممية في 2030.

لقد آن الأوان، لبذل الدول العربية مزيدا من الجهود نحو مراجعة وتحديث عناصر ومكونات المنظومة الثقافية العربية، والالتزام بتطبيقها بحيث تعيد للثقافة حيويتها؛ فتصبح قوة دافعة وقيمة مضافة اقتصادية. وهذا ليس بالمشروع الهين الذي يمكن الاستخفاف به، أو الاستغناء عنه، فهو يحتاج إلى كثير من اليقظة والصبر والإصرار وتضافر الجهود لرفع شأن الدول العربية ثقافياً واغتنام تاريخها ومتاحفها وكنوزها الثقافية في جعل الثقافة رافداً لدعم الاقتصاد التنموي في الدول العربية.

copy short url   نسخ
24/09/2022
80