قال مارتن لوثر كنغ: إن أسوأ مقعد في الجحيم محجوز لأولئك الذين يقفون على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى!

الحياد هو الوجه المعاصر للنفاق، ولأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي ينافق، فلا وجود للحياد خارج حدود البشر، إذ لا شيء يقبل أن يكون بلا موقف إلا الإنسان، حتى الحيوانات والنباتات والجمادات تأبى إلا أن يكون لها موقف!

عندما أُلقي إبراهيم عليه السلام في النار انقسمت الحيوانات إلى قسمين؛ قسم هبَّ محاولاً إطفاءها، بينما بدأ الوزغُ ينفخ فيها محاولاً إشعالها أكثر، لهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله! أبت الحيوانات أن لا يكون لها موقف فكانت مع أو ضد، وحدهم البشر جلسوا يتفرجون!

هذا عن الحيوانات، أما عن النباتات فقد حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى ينطق الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود!

الشجر أيضاً لا يعرف الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى، إما مع أو ضد! حتى الحجارة لها موقف، يقول الصادق المصدوق «أُحدٌ جبل يحبنا ونحبه»! أبعد هذا الخزي يوجد خزي، أن يكون للحيوانات والأشجار والحجارة مواقف بينما يقف الناس على الحياد عاجزين أن يكون لهم موقف؟!


الحياد كاتجاه علميَّ أمر محمود، حيث يتجرد الباحث والدارس والعالم من أهوائه واتجاهاته وأفكاره المسبقة ويدرس قضية كما هي، ولا يخجل من إعلان نتائجها حتى وإن خالفت أفكاره، هذه قمة الإنسانية والتحضر، أما الحياد كسلوك إنسانيّ تجاه القضايا والصراعات الدائرة في هذا الكوكب أمر مذموم، في كل صراع هناك ظالم وهناك مظلوم، وعندما نقف متفرجين على الظالم وهو يقتل المظلوم، فنحن لا نقف على الحياد وإنما نقف مع الظالم، لهذا يقول فرانسيس بيكون: الوقوف على الحياد في الصراع بين القويّ والضعيف لا يعني الوقوف على الحياد وإنما الوقوف مع القويّ!

الدول التي تحاول أن تقنعنا أنها محايدة كنا لنصدقها لو تركت العالم وشأنه وأبقت جيوشها في ثكناتها داخل حدود بلدانها، أما أن تحتل بلداً هنا بحجة إرساء الديمقراطية ثم تبارك ديكتاتوراً هناك لأنه يحقق مصالحها فكيف لنا أن نصدقها؟ أن تنظم انتخابات في بلد وتبارك انقلاباً عسكرياً في آخر فكيف لنا أن نصدقها؟ الدول ليس عندها مبادئ وإنما مصالح، تتدخل إذا كان التدخل يدرُّ أموالاً كثيرة، وتقف على الحياد لتستمر الحروب لأن الحرب إذا توقفت فلن تبيع أسلحتها!

الدول الكبرى عرفت أن البشر قديماً كانوا يصنعون الأسلحة ليستخدموها في الحروب أما اليوم فعليها أن تفتعل الحروب لتبيع الأسلحة.

الدول المتحضرة اليوم كحفار القبور، وبائع الأكفان، وصانع التوابيت، لن تعتاش إذا لم يمت أحد! مع فارق بسيط أن حفار القبور، وبائع الأكفان، وصانع التوابيت، ينتظرون بفارغ الصبر أن يموت أحد الناس بصورة طبيعية، أما الدول المتحضرة فصبرها قليل!

بقلم : أدهم شرقاوي