+ A
A -
سليمان قبيلات كاتب أردني
يهبط شخص بقدرة قادر مسؤولا في مؤسسة توصف بالسيادية، وميزته اليتيمة إجادة نهج «من أين تؤكل الكتف». وامتثالا لذلك السياق، يحيط المسؤول الهمام نفسه بهالة تمنع انكشافه السريع أمام الملأ، ولا يدخل إليه إلا أصحاب الحظوة من المتملقين المسبحين بحمد المنقذ وجاهه.
أول غيث القرارات الإدارية، يُقدم عليها ذلك المسؤول، إنفاذ جراحة قاتلة في الهيئة أو المؤسسة، لإبعاد كل أصحاب الرأي عن مواقع التأثير التي يقتضي الواقع أن تكون طيعة بيد الإدارة الجديدة.
يبدأ على الفور الطاقم الجديد إنفاذ خطته التي باركها المسؤول، فتأتي أكلها بلمح البصر، فشلا مثيرا للسخرية المرة، واللغة التي هي عماد العمل وشروط المهنة أو ما تبقى منها، تكون أول الضحايا التي يعلن قتلها جهارا نهارا.
يبدو القرار هنا مدموغا كما جرت العادة في البيئات غير السوية، بالأنا المتضخمة والمفرطة في أنانيتها، التي تراكم أسبابا لانهيار متبقيات الإدارة الحصيفة. القرار الفردي الذي يتحكم في مصائر الهيئة وعامليها، مستند إلى تراث ضخم من الاستبداد الإداري، الذي يجيد ارتداء حلل مزركشة تخفي في باطنها ومضامينها، عفنا هو من الصفاقة والوقاحة بحيث يجاهر بكل سواده وفجاجته، في تعبير صارخ عن استهتار بكل قيم العصر والإنسانية.
ومع الوقت يستتب التكلس مضفيا على الهيئة شكلا ومضمونا يحاكي دولة الاقطاع، بكل ما فيها من تحجر وخطاب تمجيدي للفرد المتسلط، الذي ينخر الدولة فيجهز على قواها الحية القابلة للتطور.
هذا ما يحدث منذ زمن بعيد في العالم العربي، الذي تطنب بلدانه، في تضخيم الخواء وتمجيده، لأنه الرافعة الوهمية الوحيدة المتاح خطابها للي عنق العصر وكسر مفاهيمه لمصلحة الاستبداد القرووسطي العربي.
ومن مفارقات الإدارة العربية التي تحافظ على صيغتها الإقطاعية، أن تذهب إلى مقارنة نفسها بالدولة الغربية، دون تردد أو وجل في هذه المقارنة العرجاء. هذا الزيف العلني يسنده إعلام لا يكل ولا يمل من تعظيم الخواء الذي يحتل كل الشرفات في الوعي الجمعي العربي.
مبنى ضخم تشتريه الخزينة العامة بمبلغ تفوح منه رائحة السرقة، للهيئة المبتلاة قسرا بأن تكون لسان حال الناس والمجتمع والدولة في تجسيد لكذبة الديمقراطية التي يدور حولها كلام صاخب لا يصدقه المجتمع برمته.
وفي الأمثال الشعبية الشامية ما يصف الحال، إذ يقول أحدها: «من برا رخام ومن جوا سخام»، فلا أبلغ من هذا الإيجاز الذي يعري تحنيط التخلف والفخر فيه، بصفته ولا أجمل في دولة العرب الحالية.
يعتد التخلف بنفسه فلا يرى في التاريخ إلا صداه طريقة للحياة التي يحرص أن يكون ظاهرها عصريا، لئلا يتهم بالانتماء للماضي، الذي يقيم فيه إقامة دائمة.
{ (يتبع)
copy short url   نسخ
20/09/2019
209