سليمان قبيلات كاتب أردني
كان يعادي لأنه يدرك ان الغرب هو الاستعمار عينه، هو استمرار التبعية الاقتصادية والسياسية وهو الاذعان لاسرائيل، كان عبدالناصر الزعيم العربي الأوحد الذي فهم ان المشروع الصهيوني الغربي في المنطقة العربية لا يمكن التعايش معه نهائيا، هذا هو السبب الحقيقي لعداء الغرب لعبدالناصر، هذا هو أس البلاء في التفكير الغربي الذي سمل عينيه بنفسه واستعاض عنهما بعينين صهيونيتين.
فهم عبدالناصر ان صراع العرب مع الغرب يعود إلى قرون طويلة، وما إسرائيل سوى حلقة كما حلقات مرت وانتهت.
كان عبدالناصر يدرك ان الغرب يعود في علاقته مع العرب إلى مخزون من العداء التاريخي، كان عبدالناصر يعرف ان القرن الثاني عشر الميلادي مستفز في تاريخِ جنوبِ الشامِ وغربِها، أقصدُ العقودَ التسعة التي احتل الصليبيون خلالها بلادَنا 1099 - 1189. كان يعرف ان سيرة رينو دو شاتيّون (أرناط) مستفزة بعنجهيته، بموتِهِ التراجيدي، بذهابِهِ بعيداً إلى فكرةِ الجنونِ وجنونِ الفكرةِ، بغزوِ مكةَ. كان عبدالناصر يتساءل بعد ان قرأ التاريخ مليا، هل كانت ستبعثُ ثانيةً مقولة، للبيتِ ربٌ يحميه؟! كان يدرك انّ الثابتَ هو أنّ أرناط نكصَ على عَقبِيه لأسبابٍ يطولُ شرحُها، صالَ بعدها وجال في بحر القلزم، حتى انشقت الارض العربية في لحظة تمرد على ذاتها، عن فعل قاده صلاح الدين الايوبي. فكانت حطين! كان عبدالناصر يدرك ان الجنرال الروماني وهو يقترح احياء الطريق الملوكي على مسمع امبراطوره تراجان لترسيخ فكرة المقاطعة العربية التابعة لروما، كان يخط طريق الغرب في ضرب ارض العرب، فعاد اليها لاحقا في هيئة ممالك اجتاحت الشام في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وصولا إلى إسرائيل التي تنخر في ارض العرب وانسانهم، فمذذاك، أي من لحظة اسقاط البترا في 106 للميلاد بدسيسة يهودية في قصور روما مرورا باسقاط تدمر في 270 ميلادية، وصولا إلى إسرائيل، ظلت موجات العدوان الغربي تتوالى تحمل طابعا واحدا.
وحده عبدالناصر لم يقصر فهمه عن عمق مخاطر المشروع الغربي على العرب وبلادهم، واستحالة التعايش معه بأي شكل من الاشكال. لذلك، ولذلك خصوصا، سيبقى عبدالناصر يُذكّر الغرب بأن هذا العالم العربي سينهض مهما كانت الحراسات الغربية على بوابات قصور ومصالح العمالة والتبعية والانقياد للغرب الصهيوني ومشروعه إسرائيل.