+ A
A -

إن التنمية المستدامة Sustainable Development تعني: «التنمية التي تفي وتلبي احتياجات الحاضر دون المجازفة والمساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها»، إذن فالتنمية تدل على امتلاك المجتمع النامي للأدوات والكفاءات اللازمة لتسخير كافة المنجزات الحديثة والقيم العليا: الاجتماعية والأخلاقية والجماعية؛ وذلك في سبيل تحقيق أعلى معدلات الإنتاج والنهضة والبناء التي من شأنها ضمان الحياة الإنسانية الكريمة والآمنة لكافة شرائح المجتمع. هذه العملية الاستراتيجية الكبرى ذات المدخلات والمخرجات الكثيرة تحتاج قبل التخطيط لها إلى التوعية، فمتى ما نشأ الوعي الكامل- وهو من العوامل الذاتية- نحو أهمية استنهاض كافة القوى والجهود لتحقيق هدف التنمية المستدامة الكبير؛ كان تحقيق هذه الغاية أكثر يسرا وسهولة، وذلك على اعتبار أن الوعي يؤدي بشكل مباشر إلى تكييف جزئيات التنمية مع الموارد البشرية والمادية وتحسين مستويات ووتائر الإنتاجية والترشيد وزيادة الدخل القومي.

مطلب الوعي هذا يتحقق بشكل كبير إذا ما تم تفعيل دور وسائل الإعلام قاطبة، الكلاسيكية منها والجديدة وإدراج أهداف التنمية المستدامة في أجنداتها الاتصالية المختلفة لتصل إلى مختلف شرائح الجماهير وتوقظ، بالتالي، لديهم الوعي والانتباه نحو دورهم في هذه الأهداف التنموية المختلفة، كل بحسب موقعه ومكانته في هذا المجتمع الإنساني العريض. وعليه يمكن القول إن إتاحة خطط التنمية المستدامة أمام شرائح الجماهير مهمة من المهام الجديدة لوسائل الإعلام المختلفة، خاصة في هذا العصر الذي أصبحت فيه هذه الوسائل من أهم سماته ومرتكزاته. ومن هذا المنطلق، فعلى كافة الخطط الإنتاجية: البرامجية منها والدرامية والدعائية أن تراعي أن تضم ما يحقق وجها من وجوه أهداف التنمية المستدامة.

إن دور المخططين الاستراتيجيين في حقل الإعلام العريض يتمثل في تحقيق هدف أن تدرك الجماهير وتعي الحاجات التي لا يستطيع السلوك الحالي ولا حتى العادات القائمة الحالية من إشباعها، لتتمكن، بشكل أو بآخر، من اختراع أو اقتباس سلوك جديد يقربها من مواجهة وإشباع حاجاتها هذه بطرق أكثر جدارة. وهذا الهدف يحتاج إلى أن تتكامل خطط التنمية المستدامة التي توضع من الأعلى، أي: من قبل المخططين الاستراتيجيين وراسمي السياسات العامة، وأن تتاح وتتشارك ويستشار فيها كافة الجهات ذات التفاعل الحي، وبرأيي أن وسائل الإعلام هي أبرز الجهات التي يمكنها أن تخدم هذا الجانب. وعليه فإن التكامل مهم جدا، فمهمة تحقيق هدف التنمية المستدامة ستلبى بأسرع الطرق وأنجع الأساليب، فمتى ما تم إيقاد الوعي التام لدى الجماهير المتربصة لتغذية الرسائل الإعلامية؛ ستذلل العقبات والصعوبات التي تواجه مطمح التنمية المستدامة.

وبحسب عالم الاتصال الأميركي ولبر شرام Wilbur Schramm الذي ألف كتاب حول وسائل الإعلام والتنمية القومية Mass Media and National Development، فإن وسائل الاتصال الجماهيرية تلعب أدوارا مختلفة لتحقيق هدف التنمية المستدامة، وهي:

أولا دور المراقبة الذي يتمثل في قدرتها على اكتشاف الآفاق وإعداد تقارير الرصد والتحليل المعنية بفرص النجاح الممكنة وكذلك بالأخطار والتحديات والتهديدات التي تواجه المجتمع.

ثانيا دورها السياسي الذي يتمثل في توفيرها للمعلومات والأخبار التي تتيح سن القوانين واتخاذ القرارات المتعلقة بإصدار التشريعات أو القرارات الحكومية القيادية.

ثالثا وأخيرا دور التنشئة الذي يتمثل في تعليمها وتوعيتها لأفراد المجتمع بمختلف المهارات والمعتقدات والعادات التي يقدرها المجتمع.

ووفقا لهذه الأدوار المختلفة، فالإعلام، إذا ما انتهج نهجا سليما في عكس الصورة الصحيحة للواقع المعاش ووضع هدف المشاركة في تحقيق هدف التنمية المستدامة، فإنه سيقدم للمواطن والمقيم على حد سواء مادة إعلامية دسمة تحاصره في مختلف منافذ الإعلام الكلاسيكية والجديدة لتخبره بالتالي: تحسسه بتقدم أو تخلف واقعه المعاشوبالتالي تعرفه على مدى حاجته للتنمية.. للتغيير.. للتحسين.. للتطلع نحو غد وارف للجميع، وهذه الآمال والتطلعات الثورية التي ستنشأ لدى الطرف المستقبل من الجمهور (مواطنين مقيمين) ستدفعه للمشاركة في خطط التنمية المستدامة وتفعيل دوره في كافة أوجهها قدر استطاعته. كما أن وسائل الإعلام من خلال تبنيها لهذه الاستراتيجية التنموية ستقوم باقتلاع جذور القيم والاتجاهات والسلوكيات والعادات المعوقة لعملية التنمية المستدامة وذلك بشكل تدريجي، وبالتالي يقوم بإحلال قيم وعادات واتجاهات جديدة، فتكون بمثابة عملية مكثفة لبناء الإنسان من جديد ليتحمل المسؤوليات المنوطة به.

مسألة تأثير وسائل الإعلام في التنمية المستدامة هي مسألة غير محسوبة بمقياس أو معيار دقيق، فهذه الوسائل تختلف في درجات تأثيرها من وسيلة للأخرى، وفي هذا يقول عالم الاتصال الأميركي جوزيف توماس كلابر Joseph Thomas Klapper: «إن وسائل الإعلام تعمل كوسائل للتدعيم أكثر منه للتغيير، حيث تتجه الرسالة الإعلامية إلى تنمية الخصائص الشخصية الموجودة من قبل، إلا أن هذا لا ينفي قدرة وسائل الإعلام على خلق الآراء حول الموضوعات والقضايا، خاصة تلك التي لم يتشكل رأي حولها، كما لا ينفي أهميتها كأدوات للإقناع تقوم بدورها من خلال الاستعداد النفسي، خاصة إذا كانت الرسالة شديدة الشفافية فيما تقدمه من حقائق مقنعة».

وبناء عليه، يمكن القول إن تأثير الإعلام على الجماهير ليس له تمظهر واحد أو حتى صيغة ثابتة معينة، ورغم ذلك فإن هذه الوسائل تقوم بدور كبير (وإن لم نكن قادرين على قياسه بشكل مقنن ودقيق) في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بشكل يكمل الجهود المبذولة في هذا الإطار ويسرع في تحقيق الأهداف والتطلعات في كافة فروع التنمية اجتماعية كانت أو اقتصادية أو سياسية وغيرها.

copy short url   نسخ
11/09/2022
745