+ A
A -

لفت انتباهي بفيلم «عمارة يعقوبيان» مشهد للأخت الرعديدة التي طردت أخاها من بيت العائلة بدعوى تطهير بيت الوالد من دنس شطحاته، رغم أن نيتها كانت نقل ملكيتها للبيت.لاحقًا صرحت «إسعاد يونس» أنها استعانت بالبوتوكس لحقن حاجبيها لتعطي انطباعًا لهيئة قاسية، بخلاف اتشاحها بالأسود عدا صياحها بغلظة وإسرافها في السب. ما يعني أن المكياج مع الأداء التمثيلي والملابس تضافروا لتنبيه المشاهد أنه أمام حالة أخت جبارة تظلم أخاها عيانًا. فجاءت الرسالة واضحة، ويكاد المخرج يشير بسهم إلى وجود شرير يقبع أمام الشاشة، علمًا بأنه – في الواقع- نجد الشيطان يتجمل، يتأنق، يتعطر ويتلطف للإيقاع بفريسته ولا يتمظهر بشكل عنيف، للتمويه ولدفع الحذر منه. ويعد فيلم «الشيطان يرتدي برادا» بمثابة دعوة تحذيرية للمشاهد بعدم الانخداع في المظاهر البراقة، لأن الأشرار يرتدون أثمن الماركات العالمية. أما «عاطف الطيب» مخرج «سواق الأوتوبيس» فقد جسد مشهدًا أعمق للشراسة لكنها هذه المرة مستترة خلف مظهر ناعم لأخت «نور الشريف» والتي لعبت دورها «علية عبدالمنعم» بمظهرها الملائكي، لكنها رغم إغراقها في الوداعة إلا أنها تطعن أخاها وأباها بسكين الخذلان، فتستقبل الأخ بترحاب كما تولم له البحر. لكنها تخذله بهدوء لتناصر زوجها، الذي يحجم عن رد الدين لوالدها رغم يقينها أن أباها في محنة قاسمة، ما يصَعِّب على المشاهد عملية التقاط مظاهر قسوة الأخت على بني دمها، فيلتبس الشر على المشاهد.فبينما تبدو ملامح إسعاد يونس حادة مستعينة بالبوتوكس، إلا أن علية عبدالمنعم الملائكية السمت تخذل أخاها بالسكون جله، وباللطف منتهاه. ما يثبت مقولة إن المشكل لا يكمن في الأسود الشرير، كما لا يطال الأبيض الغرير، لكن المعضلة في الرمادي الباهت المنافق.وأحسب أن مشهد الشر «لعلية عبدالمنعم» كان الأقوى، لكنه لا يحتاج لممثل بارع في أدائه، بل لمشاهد على درجة من الوعي لالتقاط المعاني المستترة ولمقاومة الملامح البريئة، الخادعة للأخت التي لا تصخب حال ممارستها للشر، بل تقتل بمسدس كاتم للصوت فلا يعرف الناس من الجاني.فكم من إخوة منعوا عن أخواتهم الميراث مع حرص الأخ على إهداء كل أخت خروفًا بالعيد.وكم من إخوة استعملوا سلاح التطفيش المستتر عوضًا عن الطرد العلني.فلم الطرد وفي إمكانه الوصول للنتيجة ذاتها بالاستقبال الفاتر، بإطفاء النور حال قدوم إخوته، برزع سلسال المفاتيح على الطاولة، بالنفخ، بالصراخ على الصغار لإضفاء جو متوتر بالبيت، بمنع استخدام الهاتف بدعوى أنه هو من يدفع الفاتورة، بالكلام المؤذي، وبسلسال لا ينتهي من وسائل التطفيش المستترة.وكم من أخت تعرضت للتحرش أو لعدوان من زوجها فاستغاثت بالأخ تحسبه ظهيرًا صلبًا، فتستنصره، لكنه يخذلها، ثم يرسل لها زهورًا في يوم الأم، ما يعني تكريسه لعلاقة قائمة على تبادل المعايدات في المناسبات ليس إلا.كم هي بشعة جريمة قتل قابيل لهابيل، لكن قتل الأخ لشقيقه ومطالعته ليديه مضرجة بالدماء قد تدفعه للندم، لكن حين يرمي الإخوة أخاهم في غياهب الجب ويحجمون عن إزهاق بدنه ويكتفون بسفح روحه فيبيعونه بثمن بخس ويكونون فيه من الزاهدين، ساعتئذ، ينسون الندم، بل يعودون عشاء إلى أبيهم يبكون بدمع كذب، ثم يمضون في حياتهم.إن هكذا التباس لا يطال المجتمع فحسب، بل يتجاوزه للمجرم ذاته الذي يراوده شعور أنه ليس آثمًا، فهو بموقف يحتمل شتى التأويلات، لذا، يرتضى لنفسه الاحتيال على قناعاته ونواياه ليبدو شريفًا أمام نفسه والآخرين.إنه نوع غير رائج من التلوث الفكري، الناجم عن قصور في الضمير الضامر لنوعية من البشر أستقبح ضمهم لمصاف الإنسانية.

copy short url   نسخ
10/09/2022
20