+ A
A -
تابع العالم باهتمام شديد مؤتمر الحزب الجمهوري الذي انتهى إلى الموافقة على ترشيح دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة في الانتخابات التي ستجرى في نوفمبر المقبل. وكان مبعث الاهتمام الشديد هو أن الرجل كان قد أثار جدلاً واسعاً بسبب آرائه المتشددة ضد الأقليات، ولم يكن مقبولاً داخل الحزب ذاته كما جرت العادة، حتى أن هناك من توقعوا ألا يتمكن من الحصول على الأغلبية المطلوبة من أصوات المندوبين، بل وأن ينجح المؤتمر في تعديل القواعد مما يؤدي إلى إقصائه برغم نجاحه في الانتخابات التمهيدية. ولكنه تخطى كل ذلك وحقق فوزاً ملفتاً بالترشح، مما أضفى إثارة وأهمية غير مسبوقة ليس فقط على الانتخابات الرئاسية، ولكن على ما يجري من تحولات فارقة في الساحة السياسية الأميركية داخليا وخارجيا.
فمن المعروف أن من يرشح نفسه لمنصب الرئاسة لابد وأن يأتي مما يسمى بالنخبة السياسية في البلاد سواء كان من الجمهوريين أو الديمقراطيين. والمقصود بالنخبة هنا المؤسسات المعتادة في البلاد التي تصنع النجوم السياسيين أو تكون لها الكلمة العليا في اختيارهم. ولكن ترامب قلب القاعدة تماماً وقرر أن يخوض عملية ترشحه (منذ نحو عام مضى) من خارج النخبة (المؤسسات) وعلى عكس قوانينها معتمداً على سماته الشخصية وأفكاره التي تجذب القطاع الجماهيري الذي اعتاد دائما العزوف عن المشاركة في الانتخابات العامة.. وكشف هذا التحول عن الانحياز لما يسمى بالشعبوية أو نقل مصدر القرار والتأثير في الأحداث من المؤسسات إلى الشعب نفسه.
إلا أن العامل الأبرز الذي لعب به ترامب جيدا هو الأمن مستغلا ظروف ووقائع عديدة استجدت بالواقع الأميركي منذ الولاية الثانية لإدارة أوباما الديمقراطية.. فمن ناحية قال مثلا «إن الإرث الذي تركته هيلاري (كانت وزيرة للخارجية بين عامي 2009 و2013) هو الموت والدمار والإرهاب والضعف». وحيث إن إدارة أوباما الديمقراطية هي المعنية بالفشل في مواجهة هذه الأخطار، فإن ترامب قدم للمواطن الأميركي هذا الفشل على أنه دليل قوي على انعدام الأمن، لهذا المواطن مثلما هو للعالم كله. ومن ناحية أخرى أهدته الظروف عاملا آخرا كان بمثابة المفاجأة الصادمة، وهو تعدد حوادث القتل العنصري بين البيض والسود. ولم يتأخر ترامب في استغلال هذه الأحداث، حيث وجه الاتهام فيها إلى الإدارة الديمقراطية بكونها متقاعسة وضعيفة ولم تنفذ القانون. وفي هذا السياق قال أمام الحاضرين لمؤتمر الحزب الجمهوري إنه سيقود أميركا نحو الأمن والاستقرار والسلام، وتعهد بإنهاء الجريمة والعنف وإعادة الأمن للبلاد، مشددا على أنه مرشح القانون والنظام (الانضباط). هذا بالإضافة إلى وعوده المشددة بأنه سيقضي على تنظيم «داعش» في أقصر وقت إذا ما وصل إلى البيت الأبيض.
ليس من المؤكد أن يفوز ترامب لأسباب عديدة تتعلق بمسار العملية الانتخابية في الولايات المتحدة، وهي عملية معقدة للغاية. ولكن جديد الحياة السياسية الأميركية هذه المرة هو ذلك الشعور العميق بالقلق من الأوضاع الأمنية من ناحية، وصوت الشعبوية القوي الذي يسيطر على رؤية معظم الأميركيين للشؤون السياسية من ناحية أخرى (عدم الثقة في المؤسسات) وما يرتبط به من تنامي القلق من الهجرة، وضعف المكانة الدولية للولايات المتحدة من ناحية ثالثة، ومراجعة تداعيات العولمة على الصعيد الاقتصادي من ناحية رابعة. وقد بدا ترامب واضحا وصريحا في وضع هذه التحديات أمام الناخب الأميركي، ولكنه لم يوضح جيدا خطته لمواجهتها خصوصا أن فريقه في العمل لم تتحدد معالمه بعد. هو يعرف العيوب والأخطاء ولكنه لا يريد أن يبذل جهدا في اقتراح الحلول مراهنا على قدراته الشخصية من ناحية، والبناء على أن المواطن الأميركي أصبح مسكونا بالقلق من الأمن المفقود من ناحية أخرى، مما يجعله متقبلا سلفا لأية حلول. وضع كهذا يثير القلق أكثر مما يثير الطمأنينة لأن التركيز على الأمن يجعل السياسة الأميركية غامضة مستقبلا.

بقلم : عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
30/07/2016
2497