+ A
A -
وصلت إلى مدينة كولمبس بولاية أوهايو بالولايات المتحدة منذ حوالي ثلاثة أسابيع.. تلك المدينة التي عشت فيها ما يزيد على ربع قرن.. وما أن وصلت وإلى الآن وأنا أشاهد وألاحظ ملامح ومعالم حالة من الانقسام الداخلي الحاد التي تسود المجتمع الأميركي والتي لا أعتقد أنني عاصرتها خلال الثلاثين عاما السابقة.. الانقسام ليس فقط سياسيا كما قد يخطر ببال متابعي موسم انتخابات الدولة الموصوفة بقائدة العالم الحر وليس فقط انقساما اقتصاديا كما هو معروف عن رائدة الاقتصاد الرأسمالي وإنما يظهر الانقسام الآن في صوره الاجتماعية والعرقية والدينية وحتى الديموغرافية.
سأسرد الآن بعض ملامح هذا الانقسام ويمكن في ما بعد أن نناقش أسباب وتبعات هذا الانقسام ومدى تأثيره على نتائج الانتخابات الرئاسية المرتقبة ومن ثم تأثيراته العالمية وبخاصة على منطقة الشرق الأوسط.
في الثامن من يوليو الماضي كتبت على صفحتي الخاصة بالفيس بوك ما يلي: «أشاهد الآن على الشاشات بوادر مظاهرات في نيويورك تجمعت للتعبير عن غضبها نتيجة قتل البوليس لاثنين من الزنوج خلال يومين متتاليين أحدهما في مينيسوتا والآخر في نيواورليانز (أقصى الشمال وأقصى الجنوب) في أميركا في دلالة غير خافية على انتشار العنصرية في كل أنحاء البلاد».
إحساسي ولبشاعة القتل هذه المرة والذي تم تصويره ونشر الفيديو في الحالتين والذي يدل على مدى توحش البوليس في الحالتين وتخطيهم كل قواعد المنطق وحدود الإنسانية أن الأمر هذه المرة لن يمر كسوابقه وأن شيئا ما لابد أن يحدث وبصوره دراماتيكية هذه المرة.. نعم سيتحدث اوباما ولكنه لن يتمكن من احتواء الغضب هذه المرة.. لابد وأن يصدر قانون ولابد ان يحاكم هؤلاء القتلة وبمنتهى السرعة.. لأول مره يتفوه مسؤول عال مثل محافظ ولاية مينيسوتا بمثل هذه العبارة «لو كان السائق أبيض لكان حيّا يرزق الآن».. والمتابع للأحداث في أميركا يعلم أن الأحداث لم تتوقف فعلا وتم اغتيال خمسة ضباط شرطة في دالاس–تكساس وثلاثة آخرين في باتون روج-لويزيانا وجرح قرابة عشرة ضباط آخرين في رد غير مسبوق في تاريخ أميركا من الأميركيين (السود) على عنف البوليس (الأبيض).. هذه الحوادث تضع الانقسام العرقي وتمييز البوليس ضد الأقليات الأميركية (السود وأصحاب الأصول اللاتينية على وجه التحديد) على السطح مرة أخرى وبشكل يعود بالذاكرة إلى الستينيات وفترة «مارتن لوثر كنج والملاكم الأعظم محمد علي» ومحاولة حصول السود على مجرد حقوقهم الآدمية.
ولعل من أكثر ما شاهدته في هذه الفترة إثارة للانتباه هو شهادات النخبة المتعلمة والمثقفة من الأميركيين السود من المحامين والأطباء والمهندسين وحتى المذيعين ومقدمي البرامج المشهورين والحاصلين على أعلى الشهادات ومن أفضل الجامعات ويقودون أغلى السيارات من أنهم إلى يومنا هذا يرتعدون خوفا حين يتم توقيفهم بسبب وبدون سبب من البوليس وأنهم يعلمون أولادهم كيفية التعامل بأدب واحترام مع البوليس ومن يقوم بتوقيفهم خوفا من أن يؤدي أي توقيف إلى رصاصة شرطي تفضي إلى موت للابن أو البنت الملونين.
إذا أضفنا إلى ذلك التمييز الديني الذي يعاني منه المسلمون في أميركا والجو المشحون بالتوتر الذي تعيشه هذه الأقلية الآن وأكثر من أي وقت مضى بسبب حوادث الإرهاب التي تنسب إليهم وتشجيع الانقسام بواسطة عدد من رجال الدين المسيحي بالإضافة إلى اليمين المتطرف الذي يمثله «دونالد ترامب» واقتراحاته بمنع المسلمين من دخول أميركا.. كل هذا يجعل الفترة الحالية من تاريخ أميركا من أسوأ الفترات التي يسود فبها الانقسام بين أبناء الشعب الواحد والتي تجعل من مقولة «إن أميركا هي البوتقة التي تصهر وتوحد جميع الأعراق والأجناس والأطياف والأديان» مازالت بعيدة المنال.

بقلم : حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
29/07/2016
2798