تشهد باريس موجة حر قوية أعادت إلى السطح خطاب المناخ ومقاومة الاحتباس الحراري بعد أن أعلنت الحكومة الفرنسية تعليق الدروس وإغلاق المدارس في المناطق التي تضربها موجة الحر هذه بما في ذلك العاصمة باريس. فرغم إعلان مراكز الرصد الجوي أن درجات الحرارة تسير نحو الانخفاض في الأيام القليلة القادمة إلا أن النقاش لم يتوقف حول مسألة المناخ داخل الساحة السياسية والفكرية الفرنسية.
لم يغير «اتفاق باريس» 2015 من المشهد المناخي العالمي شيئا ولم تحقق القوى والأقطاب الصناعية الدولية الوعود التي أطلقتها من أجل الحد من الانبعاث الحراري خاصة بعد أن قرر ترامب الانسحاب من الاتفاق فور فوزه بالانتخابات الرئاسية. راهن الكثير من الأحزاب والتكتلات السياسية على مسألة المناخ واشتد نفوذ الأحزاب الخضراء في أوروبا لكنها لم تنجح هي أيضا في تحقيق الوعود التي أطلقتها. هذا الوضع الجديد هو الذي جعل من قضية المناخ ورقة مزايدات بين الأقطاب السياسية والدول الصناعية خاصة بعد انكشاف حجم الفساد الذي تتخفى وراءه مشاريع مقاومة الاحتباس الحراري والحد من التلوث ونشر ثقافة البيئة.
يشكك كثيرون في نظرية المناخ بل ويعتبرونها أكذوبة جديدة من أكاذيب النظام الرأسمالي والامبريالي العالمي لأن الدول الصناعية الكبرى بما فيها الولايات المتحدة وأوروبا هي المسؤولة عن تلوث المناخ وهي المعنية بالحد من انبعاث الغازات الملوّثة. كما أن ورقة المناخ تستعمل للضغط على الدول النامية والدولة غير الصناعية أو القوي الاقتصادية الصاعدة خاصة في آسيا وأميركا اللاتينية لتعطيل مشاريعها الصناعية ونهضتها الاقتصادية.
لكن من جهة ثانية لا يمكن إنكار حالة التغير المناخي الكبيرة التي يعرفها الكوكب مع موجات الفيضانات والحرائق وارتفاع مستوى البحار والمحيطات وانحسار الغطاء النباتي والغابي... وهي ظواهر تهدد بكوارث أكبر في المستقبل القريب. هذا الأمر هو الذي يؤكد الدور الخطير الذي يلعبه الإنسان في المشاركة عن علم في دفع الأرض نحو وضعيات أشد خطورة على مستقبل أجيال برمتها.
لا شك أن موجات الحرارة التي تعرفها العواصم الأوروبية ستؤثر بشكل كبير على الوضع الفلاحي ثم الغذائي كما أنها قد تؤدي إلى موجات من الحرائق على غرار ما عرفته أوروبا خلال الصيف الماضي. لكنها لن تؤثر على القرار السياسي الذي سيحافظ على موقفه الانتهازي من قضية المناخ ما لم تحقق الشعوب نقلة في إجبار الحكومات الغربية على وضع المناخ ضمن أولويات المشاريع التنموية كلها.
