كان تصريح توماس برّاك، السفير الأميركي في تركيا، والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا يوم الأحد الماضي بمثابة الصفعة، والمسمار الأخير الذي دق في نعش محاولات التقسيم، والفدرلة، والحكم الذاتي، التي لجأ إليها البعض، بعد سقوط نظام بشار الأسود البائد، في محاولات لا يخلو بعضها من الشبهات.
كان حديث السفير توماس برّاك الذي نقل من خلاله وجهة نظر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ووزير خارجيته ماركو روبيو مباشرا، واضحا، وصريحا إلى درجة لا تحتمل التأويلات، عندما قال: «هناك دولة واحدة سنتعامل معها وهي الدولة/الحكومة السورية. يجب على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتـــي تضـــم ضمن مكوناتها حــزب العمال الكردستاني» PKK «الموجود باسم وحدات حماية الشعب» YPG «وسبق لهم أن حاربوا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق والشام إلى جانبنا، وكان هذا رائعا، أن تندمج بالدولة السورية سياسيا وعسكريا، وهذا ماينطبق أيضا على بقية المكونات». فقوات سوريا الديمقراطية «قسد» اليوم، على سبيل المثال، بلا غطاء، ولا حماية غربية، وبالتالي لابد لها من أن تعيد حساباتها، وتموضعها على الخريطة السياسية السورية، إذا رغبت بأن تكون جزءا من الدولة السورية الجديدة، في ظل غياب أي خيار آخر أمامها.
لا يمكن فهم هذا التصريح بعيدا عن كونه رسالة دعم واضحة من الإدارة الأميركية للإدارة السورية الجديدة في موقف يكرر توجهات الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص، الداعمة للحكومة السورية في محاولة واضحة لإنجاح هذه التجربة الجديدة، ولضمان حالة الاستقرار في سوريا، يفترض أن تنعكس نتائجها إيجابيا على دول الجوار أولا، وعلى المنطقة برمتها ثانيا، في خطوة قد يراها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تساعد في تسهيل تنفيذ ما يخطط له للمنطقة بشكل عام من سيناريوهات جديدة، سواء كان من خلال «اتفاقيات إبراهام» التي يزداد الحديث عنها يوما بعد يوم، أو غيرها من الاتفاقيات أو المخططات التي تحاك لهذه المنطقة.
وضمن نفس السياق، يمكن تفسير الأمر التنفيذي الجديد الذي وقعه الرئيس دونالد ترامب يوم الثلاثاء الماضي، في آخر أيام شهر حزيران/يونيو لعام 2025، والذي قضى برفع جديد للعقوبات المفروضة على سوريا، بما فيه من ضوء أخضر، سواء لبعض الدول، أو الشركات التي ترغب بالدخول إلى الأسواق السورية، والاستثمار فيها، ولكنها ما زالت تنظر إلى حالة الاستقرار الهشة بكثير من الريبة، من جهة، ولإفساح المجال أمام الإدارة السورية، من جهة أخرى، بالانطلاق والبدء بتنفيذ مشاريعها الهادفة إلى إعادة الإعمار على كافة الأصعدة، في بلد دمره الفساد الممنهج قبل أن تدمره الحرب، تحتاج الكثير من مرافقه الرئيسية في مجمل القطاعات الحيوية إلى إعادة بناء من الصفر.
من الصعب التفكير بموقف الولايات المتحدة الأميركية هذا بمنأى عن الضربة الأخيرة التي تم شنها على إيران والتي استهدفت برنامجها النووي، بمنشآته وعلمائه، بالإضافة إلى قادة الصف الأول من العسكريين والأمنيين، وعلى رأسهم الحرس الثوري الإيراني، في ضربة يدور الكثير من الجدل حول مدى جديتها ونتائجها، وسط تسريبات غريبة تدعو إلى الكثير من الشك حول مدى الأذى الذي حققته هذه الضربة في ظل تناقض صارخ بين تصريحات الأطراف التي خرجت كلها، ويا للغرابة، منتصرة دون معرفة المهزوم.
إن انحسار النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان، وانحسار النفوذ الروسي في سوريا، يشكلان، دون أدنى شك،معطيات جديدة مغرية للكيان الإسرائيلي الغاصب للأراضي العربية، وللولايات المتحدة الأميركية، اللتان ستسعيان بكل تأكيد إلى بسط المزيد من السيطرة على هذا الجزء من العالم، وفرض معادلات جديدة كنتيجة طبيعية للتغيرات الجيوسياسية الجديدة. وهنا لابد من الإشارة ألى أهمية التوافق السعودي – التركي، المدعوم من دول المنطقة، وتأثيره في مستقبلها، بما لهذا التوافق من ثقل سياسي واقتصادي وعسكري، يؤهله للعب دور وازن ومؤثر مع الولايات المتحدة الأميركية لضبط السياسات المتغطرسة لحليفها الاستراتيجي، إسرائيل، والضغط عليها للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الأشقاء الفلسطينيين من أجل وقف الحرب على قطاع غزة، وإيجاد حل عادل للصراع يتماشى مع المبادرة العربية، وحل الدولتين.