مرة أخرى، يستعرض «الجيش الأكثر أخلاقا في المجرة» عضلاته في مواجهة قارب صغير محمّل بالضمير والإنسانية. السفينة «مادلين»، التي لم تكن تقلّ صواريخ أو طائرات مُسيّرة، بل فقط أرزا، وحليب أطفال، وأطرافا صناعية لضحايا الإبادة، أصبحت في نظر دولة الاحتلال «استفزازا سياسيا» و«عملا غير مشروع».
الركاب: نائبة في البرلمان الفرنسي، وناشطون بيئيون، وصحفيون معروفون، ومنظمات سلام. لكن ذلك لم يمنع البحرية الإسرائيلية من اقتحام السفينة في المياه الدولية، واعتقال من عليها، وقطع الاتصال بهم، في مشهد يُذكّرنا بممارسات القرصنة في القرون الوسطى.. لا بمؤسسات دولة تدّعي احترام القانون الدولي.
فمن المخالف للقانون فعلا؟ النشطاء الإنسانيون الذين يحاولون إيصال مساعدات إلى شعب يتعرض لحصار منذ أكثر من 17 عاما؟ وتجويع غير مسبوق منذ عدة شهور؟ أم القوة العسكرية التي تنتهك حرية الملاحة وتمنع الإغاثة وتفرض عقابا جماعيا على أكثر من مليوني إنسان؟
الجواب واضح لمن يراجع القوانين الدولية والمبادئ الأخلاقية:
أولا: الحصار الإسرائيلي على غزة غير شرعي:
تقرير لجنة تقصي الحقائق في الأمم المتحدة بشأن أحداث سفينة مافي مرمرة عام 2011 اعتبر الحصار خرقا للقانون الدولي الإنساني.
ثانيا: حرية الملاحة مكفولة قانونا
- تنص المادة 87 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (1982)على أن أعالي البحار مفتوحة لجميع الدول، وتشمل حرية الملاحة.
ثالثا: إيصال المساعدات الإنسانية واجب دولي
* المادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة تفرض السماح بمرور شحنات الأغذية والملابس والأدوية للسكان المدنيين.
* منع تلك المساعدات «بشكل تعسفي» يُعد انتهاكا صريحا للقانون الدولي الإنساني.
- المبادرة التي يقودها «أسطول الحرية» ليست استفزازا، بل التزام قانوني وأخلاقي في وجه جريمة موصوفة دوليا.
رابعا: السياق الإنساني والرمزية العالمية
السفينة «مادلين» لم تكن شاحنة حربية، بل مبادرة رمزية. ممن كان على متنها:
خامسا: كسر الحصار.. جزء من التراث الإنساني
* في اليمن، وسريلانكا، وكوسوفو، وتيمور الشرقية، والحرب العالمية الثانية، استخدمت قوارب مدنية لكسر الحصار ونقل الإغاثة.
- من يقف اليوم بوجه «مادلين»، سيسجل اسمه في خانة المعتدين لا في صفحة النظام.
ما تصفه إسرائيل بـ«اللاشرعي» هو في الحقيقة الواجب الإنساني المشروع، وما تحاول تجميله كـ«قانوني» هو جريمة إبادة مستمرة ضد شعب محاصر.
«مادلين» ليست مجرد سفينة.. بل صفعة رمزية على وجه الاحتلال، ورسالة بأن الضمير العالمي، وإن تأخر، لا يموت.
وستبقى الشرعية الحقيقية في صفّ من يرمّم الحياة لا من يُمعن في خنقها.عربي 21