الدوحة - الوطن
ما زالت أرض قطر تثير إعجابنا ودهشتنا يوما بعد يوم بما تنبته لنا من مواهب جديدة، تؤكد أصالة هذه الأرض المعطاءة، التي تزخر بكنوز بشرية وعقول إنسانية ونفوس طيبة، تحمل بين ثناياها عبقا متنوعا وعبيرا فواحا، يموج بين ثنايا العلم والأدب والفن والثقافة، لتثبت للعالم أجمع أن النجاح والتقدم ليس مرتبطا بمساحة جغرافية، ولا بتاريخ ضارب في أعماق الزمن، بل بإرادة حرة، وعزيمة قوية، وإصرار على ترسيخ القدم والمكانة على الخارطة العربية والعالمية..
فبعد أن أُسدل الستار على النسخة الرابعة والثلاثين من معرض الدوحة الدولي للكتاب، أبت هذه النسخة أن تغرب إلا بعد أن تثري عالم الأدب والفن والثقافة القطري بمواهب عديدة، شهدت ساحات وأجنحة المعرض خطواتها الأدبية الأولى، وحملت إلينا نبوغها ورغبتها في إثبات جدارتها بوضع قدم وحجز مكان ومكانة بين عمالقة وعباقرة عالم الأدب القطري والعربي.. فكان "كان شغفي عطاء"..
مولود أدبي لموهبة قطرية جديدة تخطو خطواتها الأولى بثقة وثبات في عالم الأدب، بعمل استطاعت من خلاله أن تجذب الأنظار وتلفت انتباه رواد معرض الدوحة الدولي للكتاب، فأشاد بها الكثيرون، وتنبأ لها العديدون من أصحاب الفكر والرأي بمستقبل أدبي مشرق.. يضعها بين مصاف كبار الأدباء والكتَّاب والمثقفين في هذا البلد..
الدانة البوهاشم السيد.. مؤلفة رواية "كان شغفي عطاء".. اسم جديد في عالم الأدب تنبئ خطوته الأولى بمولد أديبة وكاتبة من الطراز الأول، حيث استطاعت من خلال روايتها الأولى أن تضع لها قدما، وتحجز لها مكانا بين الكبار، مما يدل على أن أرض قطر ستظل معطاءة، تنبت لنا يوما بعد يوم طاقات بشرية حية، تثبت للجميع أن مكانتها التي وصلت إليها ليست وليدة الصدفة، ولا بضربة حظ، بل هي نتيجة إرادة أبنائها وإصرارهم على النجاح والنهوض ببلدهم ليحلق عاليا بين الكبار..
التقينا في جريدة الوطن الكاتبة الدانة، وحاورناها حول عملها الأول، وسألناها وأجابت.. فكان هذا الحوار...
** “كان شغفي عطاء”.. عنوان يحمل بعدًا وجدانيًا وأدبيًا.. من أين جاء؟ وما علاقته بمضمون الرواية؟
- الاسم لم يكن مجرد اختيار أدبي، بل هو اختزال لرحلة “نورة”، بطلة الرواية. أردت أن تكون مشاركتي الأولى في الساحة الأدبية مشاركة تحمل بُعدًا إنسانيًا ورسالة إيجابية تنعكس على المجتمع.
الرواية تناقش قضايا اجتماعية تمسّ شريحة مهمة من الناس، مثل التقاعد وما يمكن للمتقاعدين تقديمه من عطاء وخبرة. فهم طاقة مجتمعية حقيقية لا يُستهان بها، لديهم القدرة على الإسهام في النهضة والبناء بمكانتهم وخبراتهم بالمجتمع .
أنا مؤمنة أن الإنسان حين يعطي من ذاته بصدق، فإنه يكتب أعظم حكاياته.
كما اني مؤمنه ان العمر لا يقاس بعدد السنين لكن بمقدار العطاء
** تجربتك الأدبية الأولى.. كيف بدأت؟ وما المحاولات التي سبقتها؟
- لم تكن الرحلة مفاجئة أو عابرة، بل بدأت رحلتي مع الكتابة منذ عمرٍ صغير، فقد كنت قارئة نهمة، ولي محاولات كتابية عديدة عبر مراحل مختلفة من حياتي.
روايتي الأولى جاءت بعد تراكمات من تلك المحاولات، بعضها لم يرَ النور، وبعضها تطوّر ونضج مع الوقت، حتى تشكّلت لدي الفكرة التي حملتني إلى هذا العمل الأول.
** من هم الأدباء الذين أثّروا فيكِ وساهموا في تشكيل رؤيتك الأدبية؟
- أحببتُ القراءة منذ عمرٍ صغير، فكبرتُ على صفحات الروايات العربية التي شكلت وعيي الأدبي والوجداني. تأثرت كثيرًا بالأدباء العرب، وكان للمنفلوطي أثر بالغ في تكوين حسّي اللغوي والوجداني، كما أثرت فيّ روايات نجيب محفوظ بما تحمله من عمق إنساني وفلسفي، وبقدرتها على سبر أغوار النفس البشرية.
أما الدكتور غازي القصيبي، فكان له تأثير خاص، ليس فقط بأسلوبه، بل بجرأته وصدقه، وبطريقته في تحويل التجربة الشخصية إلى أدب يلامس القلوب والعقول.
** حدثينا عن دور البيئة العائلية في دعمك وتكوين وعيك الأدبي، وإلى أي مدى تأثرتِ بوالدك، الأستاذ إبراهيم البوهاشم السيد؟
- نشأت في عائلة تحترم وتقدّس العلم والمعرفة، بدءًا من جدي- رحمه الله. لكن التأثير الأعمق كان لوالدي حفظه الله، الأستاذ إبراهيم. لم يكن فقط قدوتي في حب الثقافة والقراءة، بل كان ولا يزال معلمي الأول، الذي أتعلم منه كل يوم شيئًا جديدًا.
كان حضوره الفكري في حياتنا اليومية راسخًا، زرع فينا احترام الكلمة وقيمة الفكر، وربط بين الأخلاق والمعرفة، فصار كل حديث معه مدرسة، وكل نصيحة منه حجر أساس في تكويني الشخصي والأدبي.
علّمنا أن الثقافة ليست تكديسًا للمعلومات، بل مسؤولية ورسالة.
كل ما أنا عليه اليوم من حب للكلمة وإيمان بقوة الحرف، هو امتداد لفكر والدي الذي أستنير به في كل مرحلة من حياتي.
** هل من مشاريع أدبية جديدة في الأفق؟
- بالتأكيد. أنا سعيدة أولًا بالنجاح الذي حققته روايتي “كان شغفي عطاء” في معرض الدوحة الدولي للكتاب، والذي كان دافعًا كبيرًا للاستمرار.
وأنوي العمل على مشروع أدبي قادم بإذن الله، يحمل أفكارًا جديدة وتجربة أكثر نضجًا، وأسعى من خلاله إلى الوصول لقلوب القراء بروح مختلفة وعمق أكبر.
** الأسرة، الأصدقاء، المعلمون.. ما تأثيرهم في مسيرتك؟
- أشعر أنني محظوظة جدًا، ولله الحمد، لأنني نشأت في عائلة تهتم بالعلم والثقافة، وكان لهذا الجو أثر كبير في تشكيل شخصيتي.
تأثرت كثيرًا بوالدي حفظه الله، فدعمه وإيمانه بي كانا دائمًا حاضرين في كل مرحلة من حياتي.
العائلة كانت ولا تزال السند الحقيقي، وكانت الكلمة الطيبة والتشجيع الصادق من أقربائي وأصدقائي ومعلميني دافعًا كبيرًا لي للاستمرار.
كما لا أنكر أن أبنائي هم من يمنحونني الشغف الحقيقي، فهم مصدر إلهامي الأول، والسبب الذي يجعلني أحرص على أن أترك أثرًا جميلاً في كل ما أكتب.
** الدانة في سطور..
- كاتبة قطرية، تحمل شهادة في الهندسة ودرجة الماجستير في اداره الاعمال الاستراتيجية. أصدرت أولى رواياتها “كان شغفي عطاء” عام 2025 ضمن معرض الدوحة الدولي للكتاب.
أم تعتبر الأمومة مصدرًا للقوة والإلهام. تطمح إلى إثراء الساحة الأدبية المحلية والعربية بأعمال تلامس الوجدان وتعكس تجارب الذات والواقع.
ترى أن الكتابة أداة مقاومة وتعبير عميق عن الهوية، وأن الكاتب الحقيقي يساهم في تشكيل وعي وطن