يثير الدهشة حقًا أن تنخدع بعض الأقليات عندما يراودها جار أجنبي بوهم الحماية من أبناء وطنها، فتتغافل عن دروس التاريخ وتتحالف معه، لتكتشف لاحقًا أنها لم تكن سوى أداة أو جسر يعبر من خلاله للهيمنة على مقدّرات الوطن.
هذا السيناريو تكرر في عامَي 1938 - 1939، حين استغل هتلر وجود الأقلية الألمانية في منطقة السوديت على حدود ألمانيا بحجة أنهم يتعرضون للاضطهاد من حكومة تشيكوسلوفاكيا. وافقت بريطانيا وفرنسا على ضم المنطقة إلى ألمانيا تجنبًا لنشوب حرب، لكن هتلر لم يكتفِ بذلك، بل سرعان ما استولى على كامل تشيكوسلوفاكيا. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان مصير ألمان السوديت الطرد أو الانتقام، بسبب تعاونهم مع النظام النازي.
تكرر المشهد نفسه في 2014، عندما ادعت روسيا أنها تسعى لحماية الروس والمتحدثين بالروسية في شبه جزيرة القرم، فما كان من بوتين إلا أن احتلّها ثم أجرى استفتاءً شكليًا انتهى بضمها إلى روسيا، رغم الرفض الدولي الواسع.
واليوم، نرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يعيد استخدام الأسلوب ذاته، مدّعيًا حرصه على الدروز في سوريا. فها هو يخاطب مشاعرهم ويدّعي حمايتهم من «الحكم الجديد» هناك، رغم أنهم لا يشاركونه لا الدين ولا الهوية، لكن حفنة منهم، للأسف، وقعت في الفخ، وظنّت أن من يرتكب مجازر بحق الأطفال والنساء في غزة يمكن أن يتحول فجأة إلى حمل وديع وحامٍ لأقلية في دولة أخرى! وهو ما يكشف خللًا في وعيهم السياسي.
وفي سياق مشابه، نجد بعض أكراد سوريا يتحالفون مع الولايات المتحدة، طمعًا في وعد بإقامة دولة كردية تشمل أكراد تركيا، وإيران، والعراق، وسوريا. لكن التجربة التاريخية مع الغرب، ومع أميركا تحديدًا، تُظهر بوضوح أن مثل هذه الوعود ليست إلا أوهامًا تُباع من أجل تنفيذ أجندات التقسيم والسيطرة، تمامًا كما حدث في العراق الذي لا يزال يعاني من التشرذم الطائفي والإثني.
والسؤال الجوهري هنا: هل ستحمي إسرائيل فعلاً الدروز؟ الجواب ببساطة: لا. فإسرائيل منهكة عسكريًا منذ هجوم 7 أكتوبر، ولا تملك القدرة على تنفيذ عمليات كبيرة داخل سوريا. لكنها تسعى إلى استغلال الدروز، لإشعال الفتنة الداخلية، وتمزيق الصف السوري، وإبقاء البلد في حالة استنزاف دائم. فهدفها ليس فقط تفكيك النسيج الاجتماعي السوري، بل تمزيق ما تبقى من وحدة هذا الشعب، وخلق صراعات داخلية تُضعفه وتمنعه من النهوض مجددًا.
إن التوافق الأخير بين الدروز والحكومة السورية الجديدة، وكذلك الأكراد سابقا، يُعد خطوة ذكية وحكيمة، من شأنها إفشال المخطط الإسرائيلي وغيره، ومنع انزلاق سوريا نحو هاوية جديدة.
لقد أثبت التاريخ مرارًا أن القوى الاستعمارية لا تتحرك بدافع إنساني أو حرص على الأقليات، بل بدوافع استراتيجية ومصالح امبريالية تحت شعارات زائفة. وما إن تنتهي هذه القوى من استخدام تلك الأقليات كورقة ضغط، حتى تتخلى عنها بلا تردد، تاركة إياها تواجه مصيرًا قاسيًا من العزلة أو الانتقام.
سوريا بحاجة إلى وحدة الصف والتوافق بين كافة الطوائف ليقطع الطريق على أي دخيل، بل والتعلم من دروس التاريخ، فلا حماية حقيقة من محتل أو مستعمر. فسوريا بحاجة إلى سواعد أبنائها مجتمعين فالجميع في مركب واحد.