+ A
A -
عَبَرت الجمهورية التركية الجديدة، في إطارها الديمقراطي الدستوري مرحلة مهمة للغاية، ليس فقط في انتصارها فجر السادس عشر من يوليو، على أخطر انقلاب عسكري، والدعم والضوء الأخضر الغربي له، ولكن في ولادة انتصارها المختلف، وما يترتب عليه من تطويق مسارات خطيرة في انقسامات المجتمع التركي، وإعادة تنظيم القوات المسلحة، لتخضع لأول مرة بصورة جراحية، وبدعم وطني شعبي جامع، للإرادة الدستورية.
كما أن البنية الاجتماعية السياسية ستشهد إعادة تعزيزها، بتوافقات كبرى سجلها الانسجام العلماني الإسلامي في رفض الانقلاب، كل ذلك يعني ميلاداً جديداً، وضح التعاطي معه غربيا، بعد أن أعطت واشنطن وأوروبا رسائل قبول عام بهذا الانقلاب.
ولا يعني ذلك أن برنامج حكومة العدالة والرئيس أردوغان، سيدخل في مواجهات دبلوماسية وتوترات مع الغرب، وانما سيوظفون هذا النصر، والمكانة التي اكتسبتها تركيا الجديدة، وانسجامها الدستوري الشعبي، والذي سيقوي السلطة التنفيذية، وموقع الرئيس الذي تحولت شعبيته إلى فداء حقيقي بالأرواح، نعم كان فداءً لاستقلال تركيا لا شخص الرئيس فقط، لكن كان أردوغان أيقونة هذا الاستقلال بدليل قاطع، وهو مخطط الانقلاب ذاته.
ومن الطبيعي أن تعود الخلافات السياسية مع المعارضة، وخاصة على النظام الرئاسي، لكن بالجملة، دلائل قوة جمهورية الديمقراطية الثالثة، تحت حكم العدالة تتعزز رسائلها، وقدرات تأثيرها الإقليمي والدولي، والذي شكل انتصار الإرادة الشعبية فيه، مصلحة كبيرة لم تكن لتتم لولا هذه التجربة الصعبة.
وهذا يعني أن حسابات الإقليم وحسابات العالم في المشرق العربي، التي راهنت على ضعف تركيا، وصعود مشروع الانقلاب المركزي بين جماعة غولن في القضاء، وكتلة الدولة العميقة الشرسة في الجيش قد سقط اليوم.
وأنه لا مناص من التعامل مع العودة القوية للرئيس أردوغان وحزب العدالة، الذي ارتبط الاستقلال القومي التركي به اليوم، بعد صموده ودعم الشعب بكل توجهاته له.
وهو ما يعني بالضرورة، تحسن موقف أنقرة إقليميا، وتعزز رسائلها لمحاور التوافق والصراع المختلفة، وخاصة تصفية الثورة السورية، واجتياح حلب المتوقع في أي وقت، وبالتالي حسم التوافق الغربي الروسي الإيراني على مسرح العمليات الكبير، وتأثير ذلك على قوة الجولة القادمة لإيران في اليمن والبحرين وما تعلنه بشأن الشرق السعودي.
وليس من سياسة انقرة اليوم الدخول في صراعات صفرية لا مع إيران ولا غيرها، وبرغماتية سياستها ستستمر، لكن هذه المصالح، تحمل مساحة كبيرة لصالح الأمن القومي في الخليج العربي، والتعاون معها لتشكل توازنا جيوسياسيا أمام حلف بغداد الجديد، وهي فرصة لفتح صفحة جديدة معها لمصالح الخليج العربي.
لقد اعتمدت السياسة القطرية مبكراً، كسب هذا التوازن المهم، وثبت صحته مرارا، ووقف سموالأمير وحكومة قطر موقفا تاريخيا، في التضامن مع تركيا ضد المشروع الانقلابي المدعوم دوليا، معززين بذلك مسيرة العلاقة المشتركة مع كبرى دول الشرق المسلم الإقليمية.
وعليه فإن هذه الفرصة تفتح المجال أمام مبادرة خليجية تُسند إلى الدوحة، من دول الخليج العربي أو غالبيتها، لوضع سيناريو بروتوكول سياسي لحقيبة تعاون وتنسيق مع انقرة، في مستقبل المشرق العربي.
ومع أن موقف مجلس التعاون غير مشجع، خاصة بعد امتناع الأمين العام، عن أهم واجباته الأخلاقية والسياسية في إدانة الموقف المصري، في القضية المفبركة، التي تَعتبر اتصال رئيس الجمهورية المصري في حينه د. مرسي، بشخصيات دولة شقيقة وهي قطر، تخابرا معاديا!
إلّا أن الوضع الاستراتيجي اليوم يحتم، استثمار أي فرصة تتاح لصالح الأمن القومي في الخليج العربي، فهل سينجح اليوم هذا التفكير، أم ستسقطه خلافات التفسير؟.

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
21/07/2016
2462