أحد أهم التقديرات المتعلقة بالمنطقة التي تعمقت في الآونة الأخيرة هو أن «إسرائيل» تمثل العدو الأكبر والمتربص الأخطر والمستهدِف المباشر لسوريا الدولة والشعب.. كانت دولة الاحتلال استغلت الساعات الأولى لسقوط نظام الأسد، بل ما قبل ذلك، لفرض أمر واقع جديد، فأعلنت إلغاء اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، وتوغلت داخل المنطقة العازلة، ونفذت ما عدّته «أكبر عملية جوية» في تاريخها بعشرات الغارات ضد أهداف دفاعية واستراتيجية سورية.
حينها ردد البعض بأن دولة الاحتلال «شعرت بالقلق» للتغير الكبير في سوريا، وحاولت تأمين نفسها قدر الإمكان، مقللين من حجم التهديد الذي تمثله على «سوريا الجديدة»، ومستبعدين أن يكون لها أطماع في سوريا.
ما فات مَنْ قللوا من الخطر «الإسرائيلي» على سوريا متغيران كبيران؛ الأول الزلزال السوري الذي غيّر الكثير في توازنات المنطقة وفي نظر مختلف الأطراف لسوريا نفسها، وفي مقدمة هؤلاء «إسرائيل» التي ركزت هجومها بعد سقوط النظام على القيادة الجديدة وحرّضت عليها من باب أنها «شخصيات جهادية تقود حركة إرهابية».
وأما المتغير الثاني والأهم فهو الاستراتيجية الأمنية لدولة الاحتلال التي تعرضت لضربة قاصمة هزت جميع أركانها يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ثم أعادت الأخيرة تصميمها لتواجه وتقوض أي تهديدات محتملة (وليس قائمة) ولو على المدى البعيد.
لا تحتاج «إسرائيل» هنا لأن تعلن عن أهدافها من الضغط على سوريا عسكريا وأمنيا بهذا الأسلوب وهذه الدرجة، فهي تسعى لعدة أهداف أيَّها تصل إليه أولا وربما لأكثر من هدف معا إن أمكن، إذ تسعى لسوريا مفككة ومقسمة، وتريد استمرار عدم الاستقرار في سوريا، لتبقى ضعيفة وتشعر بالتهديد المستمر، ما قد يدفعها للتفكير بالتطبيع معها، أو الشروع في مفاوضات لإبرام تفاهمات جديدة غير اتفاق فض الاشتباك المشار له.
إن المطلوب من سوريا اليوم ليس دخول حرب مفتوحة لا تقوى عليها مع دولة الاحتلال، وإنما التعامل مع الأخيرة كما هي، أي بعدِّها التهديد الأكبر والأخطر والمستهدف الأول لسوريا، دولة وأرضا وشعبا ووحدة واستقرارا وأمنا، وهو ما يستوجب تاليا العمل على هذا الأساس.. والعمل يعني تعزيز عناصر القوة والمنعة وعلاج عوامل الضعف والثغرات داخليا وخارجيا، وبناء عقيدة الدولة الاستراتيجية بما يشمل تعريف الذات والحليف والصديق والمنافس والخصم والعدو، وبناء منظومة العلاقات الخارجية بين التحالف والعداء على هذا الأساس، ومن البديهي أن هذه النظرة العميقة القائمة على أسس سليمة هي ما سيبني عقيدة الدولة ومنظومة علاقاتها وتحالفاتها.عربي 21