في 7 أبريل الجاري عقدت الحكومة السورية أوّل اجتماع لها، الذي حدد فيه الرئيس أحمد الشرع الخطوط العامة لعمل الحكومة، متمثلة في: التعافي الاقتصادي، وإصلاح مؤسسات الدولة، وإعادة الإعمار والسلم الأهلي، وهي ملفات تشير بوضوح إلى أن سوريا على مفترق طرق وعرة، وسيكون للمسار الذي تسلكه الحكومة من خلالها أثر بالغ على استقرار سوريا، وشكل نظام الحكم في المرحلة الدائمة بعد خمس سنوات، أي ما ستكون عليه سوريا الجديدة.
الصياغة المجملة للملفات في اجتماع الحكومة هي تحديات داخلية، إلا أن ثمة تحديات استراتيجية خارجية للدولة السورية، لم يتم الإفصاح عنها في التقرير الرسمي عن الاجتماع، لكن يمكن إدراكها بيسر.. ويمكن القول إن الحكومة الانتقالية أمام مجموعة من التحديات، يمكن تلخيصها في خمسة تحديات رئيسية:
التهديد الإسرائيليcTypeface:>
في اليوم التالي لسقوط نظام الأسد، ودخول المعارضة دمشق، أي 9 ديسمبر، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أمرًا بعمليات عسكرية شاملة في سوريا تستهدف ضمان ألا يشكل انتصار المعارضة تهديدًا لأمنها، وأن يتم إضعاف القدرات العسكرية للدولة السورية إلى أقصى الحدود، كما قصفت إسرائيل منظومات الأسلحة الثقيلة الإستراتيجية في جميع أنحاء سوريا.
مع الوقت تبلورت أهداف سياسية استراتيجية إسرائيلية، أيضًا متمثلة في إضعاف الحكومة المركزية، وجعلها غير قادرة على بناء دولة موحدة وقوية قدر الإمكان.
ورغم الاستفزازات المتعددة والمتعمدة عمل الشرع على ضبط النفس حتى في التصريحات، ولجأ إلى القنوات الرسمية عبر الدول العربية للجم الاندفاعة الإسرائيلية، وخلال الأشهر الأربعة التي سبقت تشكيل الحكومة الانتقالية لم تنجح إسرائيل في تحقيق تقدم كبير في أهدافها السياسية، لكنها لعبت دورًا مؤثرًا في الحيلولة دون استقرار الجنوب، وتعزيز الخلاف بين السويداء، والسلطة المركزية بدمشق.
قد يكون الهدف الإسرائيلي من العمليات العسكرية والوقائع التي فرضتها هو تقوية شروطها في اتفاقية سلام مع سوريا قد تكون في المستقبل، للحفاظ على الجولان، وعلى قواعد عسكرية متقدمة، وفي مقدمتها التلال الإستراتيجية وقمة جبل الشيخ.
في حين كانت مفاوضات السلام في الماضي جميعها تدور حول حدود الانسحاب الإسرائيلي من الجولان إلى بحيرة طبريا، لكنّ اتفاقًا محتملًا مثل هذا في المستقبل ليس من مشاغل دمشق في الوقت الراهن، الأولوية هي لوضع حد للتهديد الإسرائيلي.
نزع السلاح وبناء الجيشcTypeface:>
بسقوط النظام انهار جيش الأسد، واختفى تمامًا، ترك المجندون أسلحتهم وهرب الضباط الذين قادوا العمليات، إما إلى قراهم في الساحل، أو خارج الحدود. وقوات عمليات ردع العدوان شُكلت من أكثر من 80 فصيلًا من قوات المعارضة المختلفة، والتي تختلف أيديولوجيًا مع هيئة تحرير الشام، ولكن معركة ردع العدوان وحدتها.
لكن المشكلة أن إعادة بناء جيش احترافي تتطلب وقتًا، وحيث إنه يجب عدم تكرار الماضي، فإن إعادة إدماج الضباط السابقين في الجيش أضحت مستبعدة تمامًا، ولكن ثمة حاجة إلى كفاءات وخبرات جديدة لبناء الجيش، ليست متوفرة في الخبرات السورية، لذلك تمَّ تأخير إدماج المنشقين الذين لعبوا دورًا في فترات سابقة في الجيش الجديد.
إعادة الإعمار والتعافي الاقتصاديcTypeface:>
خزينة فارغة وبلد مدمّر، نصف مدنه الكبرى تمت تسويتها بالأرض، والبنية التحتية متهالكة أو مدمرة تمامًا، الكهرباء والطاقة في وضع سيئ للغاية، نحو 90 % من السكان تحت خط الفقر، وأكثر من مليون ونصف المليون في المخيمات بدون مأوى، وفوق كل ذلك عقوبات اقتصادية شديدة ومرهقة على البنك المركزي، وعلى قطاعات مختلفة تمنع وصول الأموال والمساعدات إلى الحكومة في دمشق.
وعلى الرغم من وجود رغبة كبيرة عربية وأوروبية لتقديم المساعدات، فإن العقوبات الأميركية، تعيق كل ذلك، وتعي الحكومة الانتقالية في دمشق مخاطر أن تبقى العقوبات مستمرة، ومع يبدو أن لا خيار لها سوى بناء استراتيجية تكيف مع العقوبات وبناء الدولة على أساس أنها مستمرة، خصوصًا أنها في محيط إقليمي متحمس لها ومستعد لاحتضانها، ويسعى لنجاحها لمصلحة أمن واستقرار المنطقة.
الأمن والاستقرارcTypeface:>
رافق انهيار الجيش، انهيار واختفاء أجهزة الأمن، وبالنظر للدور الذي لعبته الأجهزة الأمنية في المجازر الوحشية، وعمليات القمع والإخفاء القسري للسكان فقد كان ثمة إجماع بضرورة إعادة بناء الأجهزة الأمنية، وتشكيل جهاز أمن يضمن الأمن ويمنع تكرار الماضي.
وعلى هذا الأساس تم حل جهاز الأمن الداخلي (الشرطة) أيضًا، وتم الاعتماد على جهاز الأمن العام الذي شُكل في إدلب كنواة لإعادة بناء جهاز الأمن الوطني وملء الفراغ الأمني الذي شكله انهيار النظام.
بناء مؤسسات الحكم
الهدف النهائي للحكومة الانتقالية هو تحقيق الانتقال السياسي، ما يعني أنّ عليها أن تعيد بناء مؤسسات الحكم، وكتابة دستور جديد دائم، وتهيئة الظروف، وتحضير البنية التحتية لإجراء انتخابات عامة في نهاية المرحلة الانتقالية التي تمتدّ لخمس سنوات.. ويتطلب ذلك منها، نظريًا، تشجيعًا على المشاركة الواسعة في الحياة السياسية، وسنّ قانون للأحزاب.
تحديات أخرى:
لا تنحصر تحديات الحكومة الانتقالية الجديدة في التحديات المذكورة أعلاه، فثمّة الكثير من التحديات الأخرى التي تواجهها، لكنّها أقلّ أهمية، ويمكنها التغلّب عليها، مثل العلاقات مع روسيا، والتمثيل الدبلوماسي، والحفاظ على علاقة متوازنة مع المجتمع الدولي، وترسيخ صورة سوريا كعامل استقرار في المنطقة، وجذب السوريين في المهجر للمساهمة في بناء الدولة، والشراكة مع المجتمع المدني الذي سيلعب دور الوسيط مع التمويل الدولي لإعادة الإعمار، وخلق بيئة استثمارية جاذبة، وتطوير أنظمة التعليم بما يلائم تطلعات البلاد للتنمية، وغيرها.الجزيرة نت