+ A
A -
يحيى عالم باحث سياسي مغربي

يجسّد نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في إدارة علاقات الولايات المتحدة الأميركية مع حلفائها التقليديين، عاملا رئيسيا ومؤثرا في إذكاء التناقضات وتعميق الفجوة بين مكونات الحلف الأميركي نفسه، المنضوي تحت مظلة الناتو عسكريا وأمنيا.

ففي الوقت الذي يظهر فيه حرصه على قوة أميركا، فإنه يسلك خطوات تهدّد العرش الذي تتربع عليه هذه القوة،

لذلك فإن الأطماع المعلنة في كل من كندا وجزيرة غرينلاند، والخلافات بينها وبين الاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا، أو التوترات مع الاتحاد نفسه في قضايا التجارة والأمن، تزرع حالة من اللايقين، وانعدام الثقة، يصعب معها في الأمد المتوسط تجاوز نتائجها، والتي ستسفر حتما إما إلى تقويض الدور الأميركي، بفعل تفجير التناقضات بين الحلفاء .

ويحتاج ما سبق إلى تتبع تجلياته في ثلاثة ملفات محورية: أوكرانيا، والمسألة الأمنية، ثم الحرب التجارية.

1 - المسألة الأوكرانية

حينما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، كان الخيار الأوروبي قائما على الحوار والتفاوض، لتجنّب آثار الحرب، بسبب التداخل الأوروبي الروسي والمصالح المشتبكة في جغرافيا سياسية مشتركة ومصالح اقتصادية وخطوط إمداد متبادلة، وفي مقدمتها الغاز الروسيّ الذي كان بمثابة النبض الذي يتحرّك به شريان الاقتصاد الأوروبي/‏‏ الألماني؛ وهو النواة الصلبة في أوروبا.

على خلاف هذا النهج التفاوضي الذي أبداه الأوروبيون لتجنّب لهيب الحرب في الجغرافيا الأوروبية، كان خيار الولايات المتحدة وبريطانيا يخضع لحسابات أخرى، ولعلّ تصريحات بوريس جونسون حينها ورد الروس بأنهم سيستهدفون لندن كان ذلك مؤشرا على حجم الصدام الذي يمكن أن تدخله القارة الأوروبية، إثر التخلّي عن أمنها لصالح الولايات المتحدة الأميركية.

أسفرت الحرب عن أزمة كبرى في الاقتصاد الأوروبي، لكن بالمقابل كان ينتظر أن تكون أوكرانيا بمثابة الوحل لإشغال روسيا واستنزافها؛ تجنبا لتهديدات مستقبلية، ولذلك تأتي ألمانيا بالأرقام في مقدمة الداعمين لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة الأميركية.

يعتبر الأوروبيون في مجملهم، أن كسب روسيا المعركة هو هزيمة استراتيجية لأوروبا في المستقبل، وخطر أمني محدق؛ ذلك أن التاريخ الأوروبي والغربي في مجمله، حافل بنشوء نزعات توسعية وحروب كبرى إثر تسويات غير منصفة، أو لا تراعي التوازنات القائمة.أدّى نهج ترامب في حل معضلة الحرب الروسية الأوكرانية إلى انقلاب في التوازنات القائمة، وهذا سينعكس على إعادة بناء إستراتيجيات أوروبا عسكريا واقتصاديا وسياسيا.

سيكون المستقبل الأوروبي، محكوما بما يجري الآن من تفاوضات تقرر مصير تخوم أوروبا؛ أي أن وضع أوكرانيا، وموقع القارة الأوروبية من التأثير في الجغرافيا السياسية للعالم، يرتبط ارتباطا وثيقا بقدرتها على تحقيق الاستقلال الأمني عن الولايات المتحدة، أو في حدود دنيا تحقيق الردع لحماية مصالحها بنفسها.

2 - المسألة الأمنية

ليس جديدا على قادة الاتحاد الأوروبي، التفكير في الاستقلال عن الولايات المتحدة الأميركية في المجال الأمني والعسكري، ذلك أن الفكرة قد طرحت بشدة في فترة حكم ترامب السابقة، حين طالب هذا الأخير القادة الأوروبيين بزيادة الإنفاق، مقابل الحماية التي يحصلون عليها من حلف الناتو.

لم يعتد الأوروبيون على خطاب مباشر يحمل الكثير من الإهانة بخصوص الأداء أو الإنفاق مقابل الحماية، فقد كان بمثابة جرح للنرجسية الأوروبية، جسّده حينذاك الرئيس الفرنسي في حديثه عن ضرورة التفكير والعمل على إنشاء قوة عسكرية أوروبية.

3 - الحرب التجارية

مباشرة بعد انتخاب ترامب، أنشأ الاتحاد الأوروبي مجموعة خاصة في قلب الأمانة العامة بقيادة رئيسة المفوضية «أورسولا فون دير لاين»، أطلق عليها مجموعة أو فرقة عمل ترامب، للتنسيق بين دول الاتحاد والمفوضية الأوروبية، بغية إيجاد طريقة للتعامل مع الحرب التجارية التي أعلنها ترامب، تجنبا لرفع الرسوم الجمركية على السيارات والمنتجات الموردة من أوروبا إلى الولايات المتحدة؛ التي تعتبر السوق التجارية الأولى للاقتصاد الأوروبي.

لم يتوقّف ترامب عن الإشارة، إلى أنّ هناك عجزا في الميزان التجاري للولايات المتحدة مع أوروبا يصل إلى 230 مليار دولار، متوعدا برفع الرسوم الجمركية لتتراوح بين 10 و20 %، على كل السلع والواردات التي تصل قيمتها 3 تريليونات دولار من الدول الصديقة وغير الصديقة، 575 مليار دولار منها من السيارات والمنتجات الصيدلانية -وغيرها-، قادمة من الاتحاد الأوروبي.

لكن حجم الرسوم التي فرضها ترامب تجاوزت ما صرح به، لتصل إلى 25 % على واردات الصلب والألمنيوم على كل من الصين، واليابان، وكندا، وأستراليا، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، وباستثناء الصين، فإن باقي الدول تعد من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة.

تخفي الرسوم الجمركية وجها من التوتر والخلاف بين الحليفين التقليديين، إذ ستكون كلفتها مرتفعة على الاقتصاد الأوروبي المرتبط بالسوق الأميركية بشكل كبير، كما أنها ترسخ حالة عدم اليقين أو الشك بين أوروبا والولايات المتحدة، التي تتجاوز علاقتهما البعد التجاري والاقتصادي إلى السياسي والأمني في القضايا الدولية. غير أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن لاحقا تجميد العمل بهذه الرسوم، في خطوة مفاجئة أرجعها مراقبون إلى ضغوط داخلية واعتبارات انتخابية.

إن نزوع ترامب الانعزالي يفرض على الأوروبيين إيجاد إستراتيجيات بديلة، فنحن إذن أمام مستقبل يشي بشقوق وتصدعات، أو عدم يقين بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية في عدد من المجالات.الجزيرة نت

copy short url   نسخ
14/04/2025
0