رغم انشغال الإعلام الفرنسي اليوم بحرب التعريفات الجمركية التي أعلنها الرئيس الأميركي إلا أن ذلك لا يمكنه أن يحجب السُعار الإعلامي والسياسي ضد العرب والمسلمين. صحيح أن هذا الهوس الجنوني بشيطنة المهاجرين والمسلمين إنما تغذيه اجندات سياسية ومصالح مالية واستراتيجية كبرى لكنه صار اليوم سمة بارزة للحالة الفرنسية.
لا يقتصر الأمر على أحزاب اليمين المتطرف والجماعات العنصرية بكل امتداداتها الثقافية والفنية والمالية والإدارية بل يشمل ذلك كثيرا من وسائل الإعلام التي تصنع الرأي العام وتوجّهه. فالمنابر الإعلامية الحكومية والخاصة لا تتوقف يوما عن كيل الاتهامات للمهاجرين والمسلمين العرب بشكل خاص بأنهم سبب تدهور البلاد وانعدام الأمن وتفشي الجريمة وغيرها من الاتهامات بل وصل الأمر إلى طرح مشاريع فكرية تتحدث عن «التعويض الكبير» باعتبار المسلمين كيانا غازيا يهدف إلى تعويض السكان الأصليين والحول محلّهم.
ليس من الصعب تبيّن الخلفيات الثانوية وراء هذا الخطاب فالمكوّن الإسلامي اليوم هو أضعف المكونات قدرة على الدفاع عن نفسه لأسباب يطول شرحها لكنها متعلقة جميعا بالحالة الحضارية للمكون العربي الإسلامي عامة. أما حالة عداء المسلمين في فرنسا وفي الغرب بشكل عام فإنها مرتبطة أيضا بملفات شائكة مثل ارتباطها بالقضية الفلسطينية وملفات الهجرة والتاريخ الاستعماري الأوروبي وهو الأمر الذي يجعل منها ملفا حاملا لملفات أخرى أشد خطورة.
إن شيطنة الإسلام والمسلمين هي المظلة التي حققت لأصحابها أهدافا كثيرة. إنها تسمح بإبقاء تهمة الإرهاب والتطرف لاصقة بالمسلمين لكي توجّه إليهم عند كل حركة أو احتجاج أو مقاومة أو ثورة. كما تسمح التهمة للوبي الصهيوني في أوروبا بربط المقاومة الفلسطينية بالإرهاب وهو ما ينزع عنها شرعية مقاومة المحتل واسترجاع الأرض والحقوق.
تمكّن شيطنة المسلمين الأحزابَ اليمينة والعنصرية بتفريغ أحقادها التاريخية ونزعتها العنصرية الاستعمارية في شكل برامج انتخابية لتحريك النزعة القومية لدى الرأي العام من أجل أجندات انتخابية. كما يشكل هذا الملف ستارا دخانيا يُعمِي عن المشاكل الحقيقية التي تعاني منها المجتمعات الغربية مثل مشكلة البطالة وارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم وغيرها.
ليس عداء الإسلام والمسلمين في الغرب ظاهرة عابرة أو ردة فعل عفوية بل هو شبكة معقدة من الأهداف والاستراتيجيات التي تتجاوز التعبير عن حالة حضارية إلى الإعلان عن مشاريع سياسية واقتصادية وتوسعية تبحث عن مبررات إنجازها اليوم أو غدا.