+ A
A -
داليا الحديدي
كاتبة مصرية
عانيت مرارًا من سائقي عربات الأجرة
رغم ما سمعت عن شهامتهم وبطولاتهم ولكن لم يعلق بذاكرتي مواقف ملفته للإعجاب لأنهم يعتبروننا زبائن يتربحون من جهلنا بالأماكن أو التسعيرة إلا هذا السائق الذي تشرفت بالجلوس بالمقعد الخلفي بسيارته. كان رجلا بمعنى الكلمة، يخبرك مشيبه أنه ناهز الرحيل، وتنبؤك تصرفاته أنه شاب فتيّ ورجل كريم، لا مجرد ذكر بشوارب.
كان آخر يوم لي بلبنان وكنت قد اتفقت معه على مبلغ محدد سلفا لمصاحبتي بسيارته طوال اليوم حيث قضيته بمنطقة «عالية».
كان الطريق خانقا، وكنت على عجل فمكثت استحثه كل دقيقة أن يسرع، فيما الطريق معطل وقد حاول تهدئتي حيث كنت أخشى الوصول بُعيد السادسة للفندق خشية دفع ثمن ليلة إضافية.
أبدى الرجل تفهمًا لقلقي كما شرع يُطمئنني: ليس معقولًا أن يطالبوا بثمن ليلة إضافية لمجرد تأخيرك نصف ساعة
هدأت قليلًا، وبالفعل وصلت دون دفع غرامة وانتظرني السائق الخلوق حتى أحضرت حقائبي وحينما وجدت أن لدي الكثير من الوقت حتى موعد على الطائرة، طلبت منه توصيلي لمطعم «الروشة باي»، ففعل، كما تفهم رفضي ترك حقائبي في السيارة، فأنزل الحقائب بنفسه وأخبرني أنه سيعاود بعد ساعة.
ولأنني وجدت أني لم أتناول أغلب ما طلبته، رجوت النادل أن يجمع لي باقي الطعام، وعند وصولي المطار، عرضت على السائق أن يأخذ هذا الطعام المتبقي، فرحب بشدة لعرضي المتواضع ولم يحرجني بل أخبرني أن أسرته ستفرح كثيرًا، لكنه رجاني استبقاء بعض من المناقيش لأن المؤن داخل أروقة المطارات تباع بأسعار باهظة.
صدقيني يا بنتي ستندمين، أنت الآن شبعانة لكن رحلتك طويلة وربما تجوعين والطعام بالمطار غالٍ.
هذا الرجل حين ترجل لحمل حقائبي، تمثل لي رجلًا بكل معنى الكلمة، وحين لم يستكبر عن قليل عطائي تجسد لي رجلًا
وكثيرا ما تفكرت في الالتباس لدى البعض بين معنى الرجولة والذكورة، فالرجولة ليست عكس الأنوثة، بل الذكورة هي عكس الأنوثة. أما الرجولة فصفة وليست جنسًا، فيما الذكورة جنسًا لا صفة.
أكرر الرجولة صفة قد يتصف بها الذكر فيكون ذكرًا. رجلا، أو تتحلى بها الأنثى فتكون أنثى، رجلة
والآية الكريمة تقول: «أذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر».
فلو كانت رجالًا تعني ذكورًا، لما حجت الإناث، إلا أن رجالًا تفيد أن من سيرتحلون للبيت الحرام قد يأتون مشياً على الأرجل أي مترجلين أو قد يرتحلون على كل ضامر أي راكبين نوقا أو خيلا، أو أي مركبة.
ولكم نرى في عصرنا هذا مترجلين من الذكور كما والإناث الذين يتركون بيوتهم ليترجلوا وينحتوا صخرًا لإعالة أسرهم أو خدمتهم، فمن يترجل من داره ويعرق لكفالة أسرته بإنفاقه عليهم أو بخدمتهم لتوفير النقد، فبالتبعية يصبح له دور قيادي ويكون له الحق في أن يقود شؤون البيت كونه أكثر خبرة وجهدًا، بينما المرتاح ببيته بغض النظر عن جنسه ويصمم على المريسة والزعامة فتعسًا لأنانيته.
copy short url   نسخ
07/05/2022
860