+ A
A -
البروفيسور جيفري د. ساكس أستاذ بجامعة كولومبيا

يعيش العالم على حافة كارثة نووية، في جزء مقدر منه، بسبب فشل القادة السياسيين الغربيين في أن يكونوا صرحاء بشأن أسباب الصراعات العالمية المتصاعدة. إن السردية الغربية التي لا هوادة فيها بأن الغرب نبيل، بينما روسيا والصين شريرتان، هي سردية ساذجة وخطيرة للغاية. إنها محاولة للتلاعب بالرأي العام، وليست تعاملاً بدبلوماسية حقيقية وملحة للغاية.تم البناء الأساسي لسردية الغرب في استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة. وتنطلق الفكرة الأساسية لأميركا من أن الصين وروسيا خصمان عنيدان «يحاولان تقويض الأمن والازدهار الأميركي». هذان البلدان، وفقاً للولايات المتحدة، «مصممان على جعل الاقتصادات أقل حرية وأقل عدالة، وتنمية جيوشهما، والسيطرة على المعلومات والبيانات لقمع مجتمعاتهما وتوسيع نفوذهما».المفارقة هي أنه منذ عام 1980، دخلت الولايات المتحدة فيما لا يقل عن 15 حربًا بالخارج، منها على سبيل المثال، لا الحصر: أفغانستان والعراق وليبيا وبنما وصربيا وسوريا واليمن، بينما لم تدخل الصين في أي حرب، ولم تدخل روسيا إلا في حرب واحدة (سوريا) خارج الاتحاد السوفياتي السابق. أيضاً لدى الولايات المتحدة قواعد عسكرية في 85 دولة، بينما لدى الصين 3 فقط، وروسيا واحدة في سوريا.وروَّج الرئيس جو بايدن لهذه السردية، خاصة أن طبيعة عمل الاستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة لا يعود إلى أي رئيس أميركي لوحده، وإنما يعود عملها إلى المؤسسة الأمنية للولايات المتحدة، التي تتمتع بالاستقلال الذاتي إلى حد كبير، وتعمل خلف جدار من السرية.يتم تسويق هذا الخوف المفرط من الصين وروسيا للجمهور الغربي من خلال التلاعب بالحقائق. سبق، قبل جيل، أن باع جورج دبليو بوش الابن للجمهور فكرة أن أكبر تهديد لأمريكا هو الأصولية الإسلامية، دون أن يذكر أن وكالة المخابرات المركزية، مع بعض الدول، هي التي أنشأت ومولت نشر الجهاديين في أفغانستان وسوريا وأماكن أخرى لخوض حروب أميركا.لنأخذ في الاعتبار غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان عام 1980، والذي تم تصويره في وسائل الإعلام الغربية على أنه عمل غدر غير مبرر، ولم تمر سنوات حتى علمنا أن الغزو السوفياتي سبقته بالفعل عملية وكالة المخابرات المركزية التي كانت تهدف إلى إثارة الغزو السوفياتي! وبنفس القدر كانت المعلومات الخاطئة بشأن بسوريا. فالصحافة الغربية تمتلئ باتهامات متبادلة ضد مساعدة بوتين العسكرية لبشار الأسد ابتداءً من عام 2015، دون الإشارة إلى أن الولايات المتحدة دعمت الإطاحة بالأسد منذ 2011، مع تمويل وكالة المخابرات المركزية لعملية كبيرة (تيمبر سيكامور) للإطاحة بالأسد قبل سنوات من وصول روسيا.وفي الآونة الأخيرة، سافرت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي بتهور إلى تايوان على الرغم من تحذيرات الصين، ولم ينتقد أي من وزراء خارجية دول مجموعة الـ 7 استفزاز بيلوسي، ومع ذلك انتقد وزراء مجموعة الـ 7 بشدة «رد فعل الصين المبالغ فيه» على رحلة بيلوسي.تتمحور السردية الغربية عن حرب أوكرانيا في أنها هجوم غير مبرر من قبل بوتين في سعيه لإعادة بناء الإمبراطورية الروسية. ومع ذلك، فإن التاريخ الحقيقي يبدأ مع الوعد الغربي للرئيس السوفياتي ميخائيل جورباتشوف بأن الناتو لن يتوسع إلى الشرق، الذي تلته أربع موجات من تضخيم الناتو: في العام 1999، ضم ثلاث دول من وسط أوروبا؛ في عام 2004، ثم انضمت 7 دول أخرى، بما في ذلك دول البحر الأسود ودول البلطيق؛ في العام 2008 مع الالتزام بالتوسع في أوكرانيا وجورجيا؛ وفي العام 2022، دعوة أربعة من قادة منطقة آسيا والمحيط الهادي إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو» لاستهداف الصين.كما لم تذكر وسائل الإعلام الغربية دور الولايات المتحدة في الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش عام 2014؛ وفشل حكومتي فرنسا وألمانيا، الضامنين لاتفاقية مينسك الثانية، في الضغط على أوكرانيا لتنفيذ التزاماتها؛ الأسلحة الأميركية الضخمة التي تم إرسالها إلى أوكرانيا خلال إدارتي ترامب وبايدن في الفترة التي سبقت الحرب؛ ولا رفض الولايات المتحدة التفاوض مع بوتين حول توسيع الناتو لأوكرانيا.بالطبع، يقول الناتو إن ذلك أمر دفاعي بحت، لذا لا ينبغي أن يكون لدى بوتين ما يخشاه. بمعنى آخر، يجب ألا ينتبه بوتين لعمليات السي آي إيه في أفغانستان وسوريا، أو قصف الناتو لصربيا عام 1999؛ ولا إطاحة الناتو بالقذافي عام 2011؛ واحتلال الناتو لأفغانستان لمدة 15 عاما. ولا «زلة لسان» بايدن التي دعا فيها للإطاحة ببوتين (وهي بالطبع لم تكن زلة لسان على الإطلاق)؛ ولا تصريح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بأن هدف الحرب الأميركية في أوكرانيا هو إضعاف روسيا.

ترجمة: د. عبد الله الفكي البشير

copy short url   نسخ
29/08/2022
30