+ A
A -
داليا الحديدي
كاتبة مصرية
أحيانًا يضطر الإنسان للمفاضلة بين أهون الشرَّين البغيضين حين تخيرنا الأقدار بين المر والعلقم، بين الموت شنقاً أم غرقاً، بين الحقير والبخيل أو الوحدة والصحبة السيئة، بين غدر الحبيب وظلم القريب، وعليك أن تختار، وساعتئذ ستحتار، وقد تتحفك الأقدار بإهدائك الخيارين في سلة واقع واحدة.
فهذه سيدة تحكي أن لها أخين، استنجدت بكليهما على أثر تعرضها لحادث، الأول تعلل بانشغاله، صدمت، ثم راسلت أخاها الثاني تخبره لعله يواسيها فما كان منه إلا أن قام بعمل حظر لها على مواقع التواصل، كما أوصى أبناءه بأن يفعلوا الشيء ذاته لعمتهم. على أن الأخوين يحرصان على مراسلتها هاتفياً للتهنئة في شتى المناسبات! بل وتصلها منهما دعوات بالخير والبركة والتوفيق، ويتعاملان معها كأن شيئاً لم يكن بل أحياناً يعاتبانها إن لم ترد على رسائلهما الهاتفية ويشتكيان للمعارف كيف أنها لم تعد تتواصل، فأيقنت أن تلك هي حصتها من الأخوة وعليها أن تفاضل بين الأخ «يهوذا» الذي ارتأى قتل أخيه ليخلوا له وجه أبيه وبين الأخ «لاوي» الرحيم، ذاك الذي لم يجد داعي للقتل الجسدي واكتفى بالقتل المعنوي «لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ في غَيَابَتِ الْجُبِّ».
وكم من سيدات حرمهن الأخوة الذكور من الميراث لأنهن إناث سيستنفع أزواجهن بحصتهن من التركة.
من هؤلاء سيدة وضع أخاها يديه على جل ميراثها كما ثبت أقدامه في بيت العائلة ليؤسس واقعا جديدا باستغلاله لكل شبر في البيت له ولبنيه، بحيث لم يعد لها أي مكان. سيما أنه يغلظ عليها أمام الجميع إذا ما زارتهم، فباعدت بين الزيارات. الطريف أنه حريص على إرسال خروف لها كل عيد ويروج بالدعاية لهديته ليعرف الجميع مدى كرمه مع أخته وإذا ما التقى بأخته لقاء الغرباء أخذ يغمرها بأحضان وقبلات سامة بل ويسألها وبراءة الأطفال في مقلتيه: «لما لا تأتين لزيارتنا؟ أرجوك لا تغيبِن عنا».
وحين سُئلت أيهما أقسى: نصبه عليك أم قسوته و«استهباله»؟ فلم تجب.. حتى الدول قد تقع في مواقف مفاضلة بين خيارين كلاهما شر لتحتار بين أهون الشرين، فرضوخ أي دولة للتعامل مع عدوها ليس دليل خيانة ولكنها حسابات تخضع لموازين القوى والهوان والمواءمة بين الممكن والمتاح.
في حياة كل منا مواقف تحاصره فيها الدنيا بقبلات سامة أو غمرات طاعنة، بخيارين أحلاهما مر، حتى أنه قد يبلغ بنا الأمر لأن نشتاق للمر بعدما تجرعنا العلقم، والمثل الشعبي يقال: «ما الذي صبرك على المر، قال الأمر منه».
والأكيد أنه قد يصل بالمرء أن يصدق استهباله، فحتى الجبارون والحقراء شَنقوا وعذبوا وقهروا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فقد صدّقوا أنهم مصلحون ومتسرمدون في الخيرية.
copy short url   نسخ
09/04/2022
1640