+ A
A -
مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكرية
في عالمنا اليوم نحتاج إلى قاعدة تفكّر قوية ثابتة، تعزل ذاتها وعقلها الروحي ووجدانها ومركز التأمل للوعي الصحيح في وجود ذواتنا، وفي حركة العالم من حولنا، وهنا سؤال مهم ما هو هذا العالم الذي نطوف فيه أو يطوف من حولنا؟
إن ما يجري اليوم من هيمنة عالم مادي صاخب يكاد يُحوّل فيه الكائن الإنساني إلى لُعبة، في هيكل ضخم من الضجيج و(المادوية) المتوحشة ويُدفع تحت قرع طبولٍ لا تهدأ في الكون المزيف الذي تخلقه ثلاثة عناصر هي بالفعل المهدد الوجودي للحياة الإنسانية ولم يكن التطرف الحديث إلا ردة فعل عليها:
هناك قيادة دولية فعلية لإسقاط الأخلاق ببعديه كف الظلم والإحسان بين الناس، والفضيلة والتراحم التي ترعي عالم الذات وجسوره مع محيطه، وتفرض على حياة الناس تصوراتها بأخلاق السوق، السوق الذي لا يزال الناس يركضون فيه، وهم لا يدرون إلى أين ويواصلون الجري في مصيرهم الذي حدده هذا السوق.
تراجع حضور الروح المخنوقة بهذه المواسم المتعددة المتفجرة، وطغيان الجانب المادي في حياة الفرد اليومية وفي سلوكه الشخصي، وبالتالي حين نقول الروح المخنوقة فهي روح التساؤل والتفكّر عن قيمة الحياة، لماذا أنا هنا في هذا الوجود، ما قصتي وما واجبي حول المحيط.
أما الثالث فهو تداعي أثر المادوية المتوحشة على الفرد، والفشل الذريع الكارثي لنظريات خلق مجتمعات ينظمها سوق المصالح، ويؤسس منظومة أخلاق لها لضبط سوقه وليس لنجاة الإنسان، ومع ذلك هو يفشل في ضبط هذا السوق فيتساقط هيكله علي الناس وعلى مصالحه فيصارع بعضه بعضاً، ومن الضحية هنا؟
إنه الإنسان كل إنسان.
تأمّل هنا في فلسفة الصوم، راقب أثر هذا العالم المصنوع من حولك، بأسُ أسواره التي تُغشي العين عن الحقيقة، وتُسقط البصيرة من البصر، وانتبه هنا إلى الرصيف الذي يبدأ به الإسلام مد حبل الإنقاذ إليك ومن ثم إلى العالم، إنها عودة الروح العقلية والأخلاقية، إن الصوم هنا يوقف عجلة الدفع المحموم، لأنه يُقلل إلى أكبر حد مساحة المادة في جسدك ويُهيّئك من جديد لسماع صوت الروح وخطاب الوجود.
هذا الخطاب يحتاج مساحة تستشعر هدأة البال من اللذة المتكررة ولو لساعات، لتفتح أعينها للفطرة السماوية التي تأمرها بالعدل مع الذات ومع الإنسان الآخر ومع هذه الأرض.
ثم هي أي الفطرة الروحية تُشير إلى غفلتك عن الله الخالق المُبدئ المعيد وما يجري من عمرك، فتجوع لتسأل لماذا كنتُ أشبع!
وهنا نتساءل ما هي الحياة وهل هناك سبيل لكي أسعد بها دون أن أُسرف على نفسي، وأن أحافظ على صحتي بدلاً من تراكم الطعام، وماذا عن أولئك الجائعين من حولي أو من حول العالم، انتبه هنا جيداً في ربط تحفيز الإسلام على العطاء في ذروة شهر رمضان، لماذا؟ لأنه يربط جوعك بالإحسان للآخرين، تذكّر هنا أن الإحسان والإطعام يشمل المسلمين وغيرهم، ففي كل كبدٍ رطبة أجر، هذا يعني أنهُ في اللحظة المخيفة من سقوطنا في عالم التوحش الرأسمالي، يناجينا خطاب الله السماوي برحمته فينا وإذكاء رحمة الخلق في تفكيرنا.
لقد كان الصوم في شريعة من قبلنا، ولم يكن في الإسلام وحده لأن الرب واحد ومن فطر هذه الأجساد واحد، فماذا حل بالعالم وماذا جرى للإنسان، حينما أدار ظهره للخالق الرحمن الرحيم، الذي بيده وحده وفي وعد غيبه اليقيني في صدور المؤمنين تعويض المحرومين والمـتألمين من الحروب والأمراض في العالم، وقد سبقت كلمته لعباده بنبذ الحرب الظالمة والتطفيف والإسراف بين الناس، والتحذير من إنكار حقوق البؤساء في هذا العالم.
وأننا لن نتجاوز العقبة دون أن تمتد أيدينا إليهم، وجعل كلمة السر المقدسة في الصوم، فهو رابط خاص لعلاقتك بخالقك فهو عمل لا يُعلن بين الناس بالضرورة، فقد يُفطر المرأ وهو يُظهر الصوم، ولذلك كان الأجر مختلف حتى يكون الرابط عميق في نفس الإنسان إنها علاقتك الخاصة بالله الأحد.
إنه موسم من الرب وعطاءٌ من الخالق وحكمة من العليم الخبير، ليس لأجل جوعنا ولا لحاجته عزّ وجل لتوقفنا عن المتع الدورية، ولكن لكي تصفوا أرواحنا لنخرج من عالم الظلم المزوّر وتشرق في وجداننا أنوار الحقيقة.
copy short url   نسخ
03/04/2022
1506