مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكرية
قادت باكستان بالتنسيق مع عدد من الدول الإسلامية، حملة استصدار القرار الأممي باعتبار الخامس عشر من مارس كل عام، يوما عالميا لمكافحة الإسلامفوبيا، ويأتي تحديد هذا اليوم بسبب ذكرى مذبحة مسجدي كرايست تشيرتش النيوزيلندية، وقبل أن نتجاوز هذه المذبحة نحتاج إلى أن نستعيد صورتها ودلائلها، ليس لأجل هذا القرار فقط ولكن لحاجة الضمير الإسلامي والإنساني لوضع قاعدة عملية لمفاهيم التضامن، ومكافحة الكراهية وأيديولوجيات العنف التي تتصاعد ضد المسلمين، وتخصهم في كثير من الأحيان.
لقد صدر القرار بالإجماع فلا سبيل لوقفه من كارهيه، فيما خشي المعارضون له من تصويتهم ضده، لأنه قد يؤثر عليهم في أي جرد أخلاقي لعمليات الإرهاب الاسلاموفوبي، أو استذكار موقفهم في خضم حوادث العنف، ولذلك سجل الاتحاد الأوروبي والهند وفرنسا تحفظهم على القرار، وكل هذه الدول المتحفظة ضمن سياق الاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا، وكذلك الهند تحت حكم حزب باراتي جاناتا المتطرف، تعيش مجتمعات المسلمين فيها حملات كراهية ممنهجة برعاية رسمية ضمنية أو صريحة، ولا تتطابق مستويات بعث الكراهية والعنف في كل دول أوروبا وأميركا الشمالية ولكنها تتصاعد بصورة ظاهرة في الجميع.
وفي موقع الأمم المتحدة الرسمي باللغة العربية، لا يظهر لك كامل نص القرار، وتشعر بفتور شديد في الموقع تجاه القرار، كما أن بعض التغطيات للقنوات الغربية وفي الخطابات الدولية ذات العلاقة يُفرّغ مضمون القرار الرئيسي، ويشكك بعضهم في استحقاق المسلمين لهذا المصطلح، رغم أن مصطلح معاداة السامية تُوقَف الدنيا ولا تُقعد حين يمس، وحين يكون الضحايا من المحسوبين على المدنيين اليهود ينفجر المشهد العالمي، ونحن نؤكد إدانتنا لأي أعمال عنف أو سلوك كراهية يوجه للأبرياء من كل الديانات في العالم.
كل ذلك لن يعني شيئاً في تأييد القرار أو تخذيله، بناءً على نصوص القرارات الدولية، وخاصة أن قرارات الجمعية العامة لا صفة إلزامية لها، ولكنها وهذا مهم ذات مرجعية دولية لا تخص دينا ولا وقومية محددة، فالمهم هنا هو في تفعيل هذه القرارات واستثمارها ثقافياً وإعلامياً وسياسياً، وهنا السؤال الكبير؛ من هي الجهات التي ستستثمر هذه المناسبة؟، وكيف تتحول إلى رسالة فاعلة تصل لمن يجب أن تصل إليه؟، وما هي اللغة المؤهلة لذلك؟
إنّ هذه القضية تحتاج بالضرورة إلى حجم تكاتف كبير، ومساهمات منظمة وروح تعاون بين الأفراد والمؤسسات من المسلمين، وممن يؤمن بخطورة الإسلاموفوبيا وأنها واقع يعيشه العالم اليوم، ولا يلزم من ذلك وقف أي جهد ممكن ولا رفض أي مبادرات محدودة بإمكانيات بسيطة، ممكن أن يقوم بها الأفراد أو الجمعيات التطوعية أو منظمات المجتمع المدني للمسلمين، وخاصة من خلال هذا الفضاء الكبير في وسائل الإعلام وفي لغة التواصل والتعبير المتاحة في عالمنا اليوم.
لكن حرب الإسلاموفوبيا خطرة ومتعددة ومتلونة، فقد تكون استراتيجيات رسمية غير معلنة لدى بعض الأطراف، وثقافات استقرت في مناطق ودول عديدة من العالم، بعضها بسبب الجهل وبعضها بسبب الهلع من نموذج للمسلمين صُدّر في المشهد الدولي، وبعضها بناءً على أخلاقيات وسلوكيات مشينة لبعض المسلمين، وهي حالات واسعة وليست محدودة.
بل إن موقف المسلمين من بعضهم البعض لا يُمثّل أبداً تعاليم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي قضايا الصراع اليوم وهجرة الشعوب واللجوء، لدينا ظلم كبير يقع على المضطرين والمحرومين من المسلمين، والظالم والعنصري هنا هم دول مسلمة وأفراد مسلمون، وفي حالتي سوريا والروهينغا دلالات كبرى على هذا المأزق الداخلي لحاضر العالم الإسلامي.
لكن هذا لا يجوز أن يكون مبرراً لعدم الدفاع عن المسلمين ورسالتهم وخاصة نبيّهم صلى الله عليه وسلم، والعبور الناجح لاستثمار هذا اليوم يحتاج تعاضدا من مؤسسات إعلامية كبرى كقناة الجزيرة على سبيل المثال، فتفعيل هذا اليوم يربط ما بين المسلمين وذاتهم والتذكير بالمنهج الأخلاقي الذي يحتاجونه لأنفسهم والآخرين، وتعاضدهم ضد هذه المظالم ومد الجسور الحيوية والإيجابية مع المجتمعات الأخرى، وجهد الرئيس عمران خان المميز وحديثه على المنصات يستحق الشكر والتقدير، وهو أيضاً يُذكّر بأهمية الإفادة من أي مساحة رسمية ممكنة في مؤسسات الدول المسلمة.