+ A
A -
داليا الحديدي
كاتبة مصرية
الحياة ورقة امتحان شديدة الصعوبة
أسلوب صياغة الأسئلة غير مباشر لفحص قدراتك التطبيقية لا التنظيرية، ولإثبات جديتك باستهداف المقاصد أم تلاعبك بالاستناد للنصوص.
ستمتحن في تخصصات ومواد مختلفة ولن تُختبر لتُثاب في مادة سَهُل عليك استيعابها، فالمُراد إضافة الجديد لعمقك الإنساني، لا إثبات معرفتك بالبديهة.
تكرار أخطائك يعرضك لإعادة اختبارك بنفس المادة لمنحك فرصة التفكر ثانية لفهم السؤال بشكل سليم، ومن ثم تقديم إجابة أصوب.
فمدرس اللغة العربية يتعمد حشو الإملاء بحرف «الهمزة» حين يَلمس الالتباس بين طلابه في التفريق بين مواضع الهمزات.
غالباً ما يكون الخطأ في عدم فهمنا للسؤال على نحوٍ دقيق.
فمثلاً: يُطرح عليّ سؤال بخصوص «عمري» فأجيب:
اسمي «داليا الحديدي».
صحيح أنا اسمي «داليا الحديدي»، لكن المصحح سيعيد الاستفهام عن عمري كوني أغفلته.
فالإجابة -وإن- صحيحة، لسؤال لم يطرح عليك لن تعفيك من حتمية الرد على السؤال المغفل عنه.
فقد يؤدي رجل نصاب الزكاة المفروض عليه، لكنه يؤاخذ لإغفاله تحري مصادر دخله، أمِنْ حلال أم حرام؟
مثال آخر لسيدة أخبرتني أنها كانت تُوتر بمخدعها، ففوجئت بثعبان، علمًا بأنها لم تفتح شيشان غرفتها منذ سنوات، لكنها تضطر لمواربة النافذة لبصيص هواء يغنيها عن تشغيل التكييف.
استفاضت المرأة في وصف السكينة التي تعاملت بها مع الموقف لقناعتها أن الحياة امتحان.
-لفت نظرها أنها لم تُختبر في مادة السكينة، بل في تخصص النظافة.
فالثعبان المتسلل من فتحات الشيشان والنافذة المواربة أرسل لها «خطاب مسوجر» بحتمية تنظيف العنكبوت العالق خلف الشيش المغلق منذ سنوات، فهو إشارة للأماكن المهجورة التي تسكنها الثعابين.
-الوقت المتاح للإجابة عن الأسئلة مُختلف من طالب لآخر، لكن ممنوع نَحر ورقة الفحص أو الخروج من قاعة الامتحان إلا بالوقت المحدد لك من قبل الممتحن.
-نجاحك في اختبار الحياة لا يعني تحقيق نتائج باهرة على صعيد المال والشهرة، الصحة أو العلاقات الاجتماعية، بل يعتمد بالأساس على سعيك في البحث الجاد عن الإجابة الصائبة، رغم عدم تحقيقك لمقاييس النجاح المعترف بها دنيويًا.
-لأن الاختبارات سماوية، فالتقييمات الخاصة بإجاباتك ربانية، لذا، فعلاماتك لا تعتمد على صِحّة الإجابة بقدر مراعاتها لتباين الفروقات، القدرات، الظروف، الخبرات، النوايا، والضغوط الواقعة عليك أثناء إجابتك على الأسئلة، سواء كانت ضغوطا بيولوجية، بيئية، عقلية أو نفسية.
فقد تحسب أنه لا يُختبر في اليسير لاستطاعتك الإجابة على السؤال المطروح عليه دون توحيد معامل الخبرات، القدرات، الضغوط، الظروف، النوايا والبيئة.
مثال:
حسد الملك جورج السادس لحلوله محل أخيه إدوارد على رأس التاج البريطاني، إلا أن عقودًا مضت حتى أفشى القصر أسرار التعذيب النفسي التي مورست على جورج في طفولته من قِبَل مربيته ما أصابه بالتلعثم وكراهيته للظهور في المجتمعات لتفادي الضغوط التي تضعه بمواجهة تلعثمه.
فالحروف التي ينطقها الجمهور بسلاسة تعثرت على الخروج من ثغر ملك واضطرته للخضوع لتمارين مرهقة كوضع كرات عاج صغيرة في فمه أثناء الحديث، ما أصابه بحرج بالغ أمام شعبه أثناء تأديته لخطاب العرش.
بالمثل عانت «ديمي مور» من تشهير الصحافة بها لرفضها تقديم ضمانات لإخراج والدتها من الحبس في قضية مخدرات.
لاحقاً، اعترفت الأم أنها كانت تسيئ معاملة ابنتها.
ثم يأتي جهول ليحكم على الممثلة بالعقوق لمقارنته بين موقفه البار بوالديه وموقفها دون مراعاة أخطار الإيذاء المتكرر الذي تعرضت له الممثلة الأميركية، ومن أمها.
-لو أظهرت استخفافك بإجابات الزملاء، ستخضع للامتحان ذاته ووفقًا لشروط أصعب.
إننا بإزاء «امتحان الكتاب المفتوح» وطريقته مصممة على نحو يسمح للطالب بالرجوع للكتب السماوية أثناء الإجابة عن الأسئلة لمراجعة النظريات كما يتم تزويد الفرد بنماذج ملهمة من أسئلة الاختبارات السابقة كقصة الخضر، وأخبار الأمم السابقة.
-لا تكن حديًا في إجاباتك إذ ينصح باستخدم أسلوب التبعيض لا التعميم.
يسمح لك بمعاونة الزملاء في الامتحان، على ألا تتبرع بنشر إجابات أنت لست متيقنا من صحتها.
فاعترافك بعدم درايتك لأمر ما خير لك من اعتناقك للجهل؛ لأن ذلك سيدفعك للدفاع بشراسة عن الحماقات.
-المراجعة مطلوبة عشية الفحص، فأثمن ما منح الإنسان هو نعمة مراجعة واجترار النعم واستشعارها، قُبيل غيابها وإعادة التلذذ بماضي الموجودات ومضارع الممنوحات والاستبشار برياح القابل من المِنَح.
-نحن البشر -بلا استثناء- لدينا أقساطنا من الرزايا، والبلايا التي لا نجرؤ على ذكرها، فكلنا نُثرثر عن صغار المصائب ونتباكم عن الأحزان.
أهناك فرصة أو فسحة في فناء الحياة؟
عامرة هي الحياة بالفسح والفرص المعينة للإنسان للترويح عن نفسه أثناء الاختبارات، لكن المُشكل أنه نادرًا ما يلتفت المرء لفرصته، نادرًا ما يلتفت لرؤية فرص الحياة في قوارير مؤن بيته ولو ربع مُمتلئة.
-نادرًا ما يفهم أن منطوق أطفاله المتعسر بنبرات صوتهم اللا مثيل لها، هو منتج معنوي مصنوع خصيصًا لخلق فسحة ملهاة للترويح عن يومه.
نادرًا ما يشعر المرء بفُسحة النِعم، صَغيرها، متوسطها وكبيرها، فيشرد في الفواتير التي قدره الله على تسديدها ليستفيق ذهنه بالسند السماوي، ولا يمر على النعم مرور الأنعام.
قلّ من يَعي فرصة رَد أطفاله سالمين من مدارسهم، فأي نعمة كعودة دعائم البيت لأركانها فيما سواهم قد ماتوا في غياهب الجُب.
الحياة امتحان عامر بالفرص لكن لا يوجد ملحق للإعادة، فاغتنم الفرصة.
copy short url   نسخ
26/03/2022
1421