+ A
A -
عمان- الوطن- خالد سامح
تمتد تجربة الفنان التشكيلي الأردني د. خريس أكثر من ثلاثين عاماً، فقد حصل على شهادة الدكتوراه، بمرتبة شرف، في تاريخ الفن من جامعة برشلونة (1993). وتبوأ خريس مناصب في عدد من المؤسسات الأكاديمية والفنية وكان مديرا لدارة الفنون في عمّان، كما أنه استاذ زائر في جامعة بابلو اولابيدا، اشبيلية، إسبانيا، ومنذ العام 2002 يدير المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، وهو الفنان الأردني الوحيد الحاصل على وسام من ملك اسبانيا خوان كارلوس تقديرا لعطائه الفني، وبالاضافة لدراسته في اسبانيا تتلمذ د.خريس على يد كبار الفنانين في مصر وايطاليا والمكسيك، وأقام العديد من المعارض في الدول العربية والعواصم الأروربية وفي الولايات المتحدة وغيرها من البلدان، ما أهله للحصول على جائزة الدولة التقديرية في الأردن وجائزة المعهد الثقافي العربي –الاسباني وغيرها من الجوائز الرفيعة.
حول دور المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة في المشهد التشكيلي المحلي والعربي والعالمي، وآفاق التشكيل العربي في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، وغيرها من القضايا كان لـ«الوطن» مع الفنان التشكيلي الدكتور خالد خريس الحوار التالي:
ما يقارب الخمس والثلاثين سنة على تأسيس المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، ما تقييمك للأثر الذي تركه المتحف في المشهد التشكيلي محليا وعربيا؟
- عمل المتحف ومنذ تأسيسه عام 1980، على نشر الثقافة التشكيلية في الأردن والتعريف بالفنون محلياً وعربياً وفي العالم النامي، كما استقطب معارض عربية ودولية وعرف بفنون العالم للجمهور الأردني، وعمل على التعريف بمجموعته المتميزة لبلدان عديدة، وقام بالتعريف وما زال بالفنون التشكيلية العربية، واصبح المتحف صرحا مهماً على مستوى المنطقة عربياً، وهو يحمل الريادة بين كافة الدول العربية في هذا المجال، كونه قد تعدى الحدود الاقليمية، والمتحف الآن بمثابة الرئة التي يتنفس من خلالها الفنانون، وهو يقوم بنشاطات ملموسة على واقع الارض، من خلال مشاريعه الريادية في تثقيف المجتمع، وهو يعمل على مد جسور التعاون فيما بين العالم العربي ودول العالم الاخرى على مختلف ثقافاتها، فعلى سبيل المثال أقام المتحف ما يزيد على مائتي معرض على المستوى المحلي وما يزيد على خمسةً وأربعين معرضاً خارج الأردن، والمتحف يقيم فعاليات متعددة في الخارج لها علاقة بالفنون الأخرى كالأمسيات الموسيقية والقراءة الشعرية والقصصية وعروض الأفلام السينمائية.
ما هي معايير المتحف للمعارض المختلفة التي يقيمها للفنانين العرب والأجانب، وماهي أسس استضافتهم؟
- جميع المتاحف لديها معايير وأسس، وتختلف المتاحف في وضع معاييرها حسب أولوياتها وأهدافها، والمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة يقوم بتنظيم معارض ذات مستوى فني عال وجاد، تشمل المعارض الفردية والجماعية لفنانين عرب وأجانب، ممن لديهم تجارب وخبرات، وهو يعمل على دعم الطاقات الشابة من خلال المعارض التي يقيمها لهم، والتعريف بهم من خلال معارض خارجية في مختلف دول العالم.
ويعمل المتحف على سياسة تكريم الفنانين العرب الرواد، حيث قام بتكريم عدد لا بأس به منهم، وهو مستمر في ذلك من خلال إقامة معارض لهم، وطباعة دليل للتعريف بهم وبفنهم. كما ويستضيف فنانين ممن لديهم تجارب مهمة، ويقيم لهم معارض ومحاضرات وندوات يشرحون فيها رؤاهم الفنية ومصادر إلهامهم.
والمتحف يفتخر بإقامة سلسلة من المعارض منذ تأسيسه في هذا المجال.
درست وعشت فترة طويلة في أوروبا وبصورة خاصة في اسبانيا، ما مدى تأثير تلك الاقامة على مزاجك الفني ورؤاك الجمالية؟
- لا شك بأن لدراستي للفن في أوروبا والمكسيك وقبلها في مصر أثرا كبيرا علي وعلى فني، فدراستي للفن في اسبانيا، واقامتي فيها أسهمت في إغناء وإثراء تجربتي الفنية وجعلتني أنظر للفن بمنظار آخر، كون اسبانيا بلدا عريقا في مجال الفنون التشكيلية، فمن رحمها خرج فنانون على مستوى كبير من الأهمية أمثال فلاثيكث وجويا وبيكاسو وميرو ودالي وتابيس وآخرون. وانعكس ذلك على أسلوبي الفني للأشياء، كما عشت في اسبانيا مرحلة التحول الديمقراطي في البلاد إلى جانب التفاعل مع الحياة الفنية والثقافية، والتي شهدت وتشهد التغيير والتطور والمزيد من الابداع في أجواء حيوية متفاعلة، كذلك إيطاليا البلد العظيم بفنه، والمكسيك البلد العريق بحضارته الضاربة وفنانيه، وبالذات فناني الجداريات أمثال ريفيرا وغيرهم.
حصلت على جوائز وأوسمة أردنية وعالمية رفيعه، برأيك ما مدى اسهام ذلك في تشجيع الفنان على العطاء والاستمرارية؟
- الجوائز والأوسمة ما هي إلا تعبير من جهات معينة للفنان بتقدير جهده في مجال أو مجالات استطاع أن يبدع فيها أو يقدم خدمة لمجتمعه أو مجتمعات أخرى، وهي اعتراف بما أنجزه الفنان، وفي اعتقادي إن أهم وسام بالنسبة للفنان هو صدقه مع نفسه ومع الآخرين، وبما يقدمه من فن يخدم فيه مجتمعه والإنسانية بشكل عام، إن الجوائز والأوسمة تسهم لحد ما في دفع الفنان للمزيد من العمل والابداع، لكن للأسف أصبحت هنالك جهات تمنح جوائز وأوسمة وحتى دكتوراه فخرية، وهي لا تمتلك المكانة التي تخولها ذلك لأناس لا يستحقوها، وأصبح بعض الفنانين يملؤون سيرهم الذاتية بجوائز وشهادات ليس لها أي اعتبار، الوسام الحقيقي والتكريم الحقيقي كما ذكرت هو في جدية الفنان وصدقه وفي مدى خدمته للمجتمع والإنسانية وتفهمه لرسالته واحترامه لها.
عبرت خلال معارضك المقامة مؤخرا عن رؤيتك للحراك في الشارع العربي والذي عرف بـ«الربيع العربي»، من أي زاوية تناولت الموضوع؟ وأي أثر تركته تلك الحراكات على التجربة الفنية العربية؟
- لا شك أن أي شيء يطرأ على مجتمعاتنا العربية سواء من النواحي الاجتماعية أوالثقافية أوالسياسية لا بد أن يشكل جانباً مهماً من اهتمامات الفنان الجاد الملتزم برسالته الفنية اتجاه وطنه وشعبه واتجاه السلام والمحبة بين الشعوب، ولقد أثر حراك الشعوب العربية على الفنانين الذين يحملون رسالة في حياتهم، وأنا واحد من هؤلاء الفنانين الذين تأثروا بأحداث عديدة مرت على منطقتنا من حروب ودمار، وكان أن قمت بإنجاز عمل ثلاثي من الحجم الجداري بعنوان (صرخة الجنوب)، كانت بمثابة إدانة للحروب الغاشمة التي قامت بها اسرائيل اتجاه شعبنا في فلسطين ولبنان، أما ما جذب انتباهي في الحراك فلقد عملت على موضوع الكرسي وهو رمز السلطة، من خلال أعمال انشائية حملت الطابع النقدي الساخر وكذلك على مجاميع الناس التي خرجت في الشوارع، تعبر عن رفضها للظلم وتقييد الحريات مطالبين بحياة ديمقراطية حقيقية، صورت هذه المجاميع من خلال نقاط متراصة استرعت انتباهي وأوصلتني إلى نوع من التنقيطية، تجربة لم أخضها من قبل لكنها جاءت بفعل هذا الحراك الذي أثر على حركة التشكيل العربي ومازال.
أخيرا، كيف تنظر للمنجز التشكيلي الحديث في الأردن؟
- هذا سؤال ذو أهمية وحساسية في نفس الوقت، فكل ما أنجز من إبداع تشكيلي في الأردن يتخذ طابع الحداثة، وهنالك تجارب لأجيال مختلفة تناولت أيضاً ما بعد الحداثة، وأصبح هنالك تواصل مع مختلف الحركات والاتجاهات في العالم، نتيجة سهولة الاتصال والتواصل من خلال الانترنت والتواصل الاجتماعي.
بدأ التشكيل في الأردن متواضعاً متأثراً بالحركات العالمية، وبالحداثة الغربية وبعض التجارب العربية، التي هي بدورها تأثرت في التجارب الغربية، وشهدت الحركة التشكيلية قفزات نتيجة للظروف الاجتماعية والسياسية المحلية والمحيطة بالأردن، فعلى مستوى الكم أصبحت هنالك معارض متعددة، وصالات عرض عديدة نتيجة للعرض والطلب، لكنني وهذه وجهت نظري أجد أن الكم طغى على الكيف، والفنان في الأردن يكرر نفسه وأصبح واقعاً تحت أسر الاسلوب، وأصبح الاهتمام التجاري المادي يحدد مدى نجاح الفنان أو فشله، وهذه مسألة خطيرة، بالاضافة إلى غياب الدعم الرسمي باستثناء بعض المؤسسات الخاصة، إلى جانب عدم توفر أجواء حميمية صحية تجمع الفنانين فيما بينهم.
التشكيل والمنجز التشكيلي يغرق في سبات عميق رغم ما نمر به من أحداث وهذا ينطبق بدرجات متفاوتة على مجمل التشكيل العربي، ناهيك عن غياب النقد الفني التشكيلي الموضوعي وغياب الدراسات والابحاث في مجال التشكيل بشكل عام.
copy short url   نسخ
27/07/2016
2327