+ A
A -
حمد حسن التميمي
حلم الناس الأكبر هو أن يكونوا سعداء، سواء كانت تلك السعادة متمثلة في النجاح المهني، أو المال الوفير، أو العلاقات الاجتماعية المتينة، أو العيش بأمان وسلام روحي، أو غير ذلك من تعريفات للسعادة تختلف من شخص لآخر، إلا أنها تصب في النهاية في الخانة نفسها.
لكن يبدو جلياً خلال عصور وعقود طويلة من تاريخ البشرية أن البشر ظلوا يسعون خلف السعادة باستماتة إلا أن أغلبهم لم يحصل عليها. وكأنما السعادة شبح نطارده أو محض سراب نركض وراءه دون أن سبيل إلى إدراكه. وكأننا كلما حاولنا أكثر أصبح الأمر أكثر صعوبة، كمن يحاول بشتى الوسائل والطرق أن يحظى بقلب امرأة، فيكون ذلك سبباً في رفضها له، وبحثها عن رجل لا يعيرها كل ذلك الاهتمام الزائد.
في الحياة، لا يهم مقدار حاجتك للشيء وسعيك خلفه أحياناً، إذ كثيراً ما تطير الأشياء من بين أيدينا بمجرد أن نلاحقها ونستميت في سبيل الحفاظ عليها، وكأن ما نخشاه، يصبح واقعا بكل بساطة، فمن يخشى فقدان من يحب يخسره لسبب أو لآخر، ومن يخاف الخيانة هو أول من يتعرّض لها، ومن لا يثق في الناس يكون الناس عند ظنه تماماً.
في الحقيقة إن ما نفكر فيه يترجم إلى واقع ليس إلا، وكلما تمسكنا بأمر زادت احتمالية فقداننا له، وإذا تقنا إلى أمر بدافع من الحاجة والشعور بالنقص فإننا حسب نواميس الكون لن نحصل عليه، بل ستزداد الفجوة التي نشعر بها اتساعاً.
بينما تطارد السعادة بحرقة وظمأ شديدين، فأنت تعلن دون وعي منك أن هناك شيئاً منقوصاً في حياتك وبأنك تفتقر إلى الوفرة، وهذا الإحساس بالنقص يجد انعكاساً له فيغدو واقعاً ملموساً؛ لأنك أثناء سعيك يكون تركيزك محصوراً فيما لا تملكه، لا فيما تملكه، وبالتالي تتسع دائرة الشيء الذي تركز عليه ألا وهو النقص.
أما الناس الذين يشعرون بالسعادة من الداخل دون حاجة إلى سبب خارجي، فأولئك هم من نحس بأنهم يجذبون كل ما هو جميل إلى حياتهم، ذلك لأنهم ببساطة وإن بحثوا عن سعادة فهم يبحثون عن مزيد وينطلقون من إحساس سابق بالوفرة لا بالنقص، هم في الأساس سعداء لكنهم لا يمانعون من الحصول على مزيد من السعادة، مما يجعلهم أفضل الشركاء والأصدقاء على الإطلاق.
عندما تربط سعادتك بحدث خارجي أو شخص آخر، فأنت تعلن ضمنيّاً أنك تعيس من دونه، وبأنك تعاني نقصاً.. هو وحده القادر على سدّه، وبالتالي كل ما ستحصل عليه هو ما تركز عليه، ألا وهو النقص والحاجة.
لهذا فإن السعادة أشبه بالفراشة، كلما حاولت تعقبها أكثر كانت بعيدة المنال، ولكن إذا لم تسعَ خلفها باستماته فإنها ستأتيك لوحدها ولو بعد حين. والأهم من ذلك كله، عليك أن تدرك أن السعادة لأي سبب خارجي ليست حقيقية ولا تدوم، فالسعادة الحقيقية هي تلك التي تنبع من الداخل دون الحاجة إلى أسباب.
في الحب مثلا، تنجح العلاقة عندما يكون كلا الطرفين سعيد بذاته دون حاجة للطرف الآخر حتى يجعله سعيداً، بينما تفشل معظم العلاقات بسبب اعتماد كل طرف على الآخر كليا للحصول على الإحساس بالسعادة، فتنشأ الأمراض النفسية مثل حب التملك والسيطرة والأنانية، وغير ذلك من مشكلات تؤدي في النهاية إلى انتهاء العلاقة.
ويمكن تعميم هذه القاعدة على كل شيء حولنا تقريباً، إذ لن تنجح في حياتك إذا كنت تنطلق من إحساس بالفشل والكآبة والعوز المادي، لأن إحساسك ذاك كفيل بإعاقتك عن التقدم وبذل الطاقة اللازمة لتحقيق ما تطمح إليه. بينما لو كنت تشعر بالسعادة والوفرة بغض النظر عن وضعك الاجتماعي والمعيشي والمهني، فإنك ستجذب إلى حياتك الأشخاص والمواقف والأحداث التي تماثل إحساسك ومشاعرك وما تفكر فيه، فتحقق النجاح الذي تصبو إليه، فلا تركض خلف السعادة، بل اتركها تأتي طواعية، وستأتيك بصور وأشكال لا حصر لها.
copy short url   نسخ
09/02/2022
719